هزمني الفقر فهزمت الإعاقة…

بصوت ملائكي دافئ، بعقل يزن حكمة الأيام  ومرارةالتجارب، بحضور إعلامي واعد، حدثتنا سهام مسعدي صاحبة القلب الطفولي المرهف عن تحدياتها المتواصلة في مضمار الحياة، عن عزيمتها المستنيرة بفانوس الأمل، عن ثقتها ويقينها بالله، تلك الثقة التي جابهت بها أحلك أيامها وأعتاها.

تايم نيوز أوروبا بالعربي | نسيمة طايلب – جامعة الشلف | الجزائر

سهام ذات 23 ربيعا، بطلة من أبطال الهمم، ولدت بإعاقة جسدية لم تقعدها مقعد بؤس واكتئاب، بل دفعتها لشق طريق كفاحها بأي ثمن، نشأت وترعرعت في عائلة بسيطة، عانت اليتم والفقر والخذلان، فلا احتواء أسري ولا مراعاة اجتماعية؛ لم يكن من السهل، حسبها، أن تعيش يتيمة الأب مبتورة السند فلا تجد دعما حين تستشعر ضعفها الجسدي ونقصها العضوي، ولم يكم من السهل أن تعيش بعاهتين الأولى إعاقة عضوية و الثانية مرض مزمن، فكم من المرات عانت من تنمر وسخرية أقرانها، كم من المرات تعرضت لتقزيم قدراتها واحتقار وجودها وضعف حيلتها، كم من المرات رأت في عيون من حولها خجلهم بها، كم من المرات تهامسوا عن نقصها ، كم وكم وكم …. غير أن الثقة التي بعثها فيها مربوها من المدرسة الخاصة جعلتها تندمج في المجتمع بشكل تدريجي حين إلحاقها بالمدرسة العادية، فتقبلت الإعاقة وتعايشت معها. غير أن معاناتها لم تتوقف عند هذا الحد، بل أصيبت في فترة التعليم المتوسط بمرض نادر زاد من صاع بؤسها صاعين، فتضاعفت معاناتها في استكمال مسارها التعليمي بالشكل المطلوب لغياب التجهيزات اللازمة، وصعوبة التنقل من وإلى المؤسسة التعليمية، وقد شكل الفقر حسبها أكبر أعدائها، فقد هزمها حين استطاعت هي أن تهزم الإعاقة.

كيف تجاوزت؟

تقول سهام: “لم أفكر يوما في الأمر، لكني متيقنة تمام اليقين أن تشبعي بتعاليم الدين الإسلامي، وقراءتي لسير الصالحين وابتلاءاتهم كان مفتاحا من مفاتيح صبري وتجدد عزيمتي وايماني”. كما أشهد شهادة حق في أصدقائي المخلصين الذين دعموني حين غاب دعم الأقربين وعوضوني خذلان المحيط الأسري، فكانت لي صديقة لم تمنعها مكانتها العلمية والاجتماعية المرموقة أن تشحنني بشكل مستمر بالطاقة الإيجابية لأحرص على الدراسة وأقاوم واستمر، لطالما أصرت أن لا حياة دون نور العلم ، ولا علم دون عزم وإصرار على التحصيل، وكما كان طبيبي صديقي الصدوق داعمي وناصحي وعوضا عن والدي رحمه الله.

ضف إلى ذلك الإذاعة الوطنية والإذاعة المحلية التي كانت أنيسي وجليسي، فكثيرا ما غفوت على أثيرها وأنا أستمتع ببرامجها الهادفة التي كان لها بالغ الأثر في صقل شخصيتي وتحصينها من مفاجآت الدنيا ومفارقاتها، خاصة إحدى البرامج المختصة في معالجة القضايا الاجتماعية، إذ كان أسلوب التحاور لدى مقدمها وطريقة نصحه وتوجيهه للمستمعين منارة تغنيني عن نصح الآخر، فكنت أستجمع الحكم من الحلقات العابرة وكأنها حلقات حياتي.

الإعاقة قضية أرافع عنها”

” لا أفوت أي فرصة تتاح لي للحديث عن إعاقتي”، لأني مؤمنة ايمانا تاما أنها قضية تحتاج للمرافعة عنها حتى ينصفنا الاخر، حتى يرانا المجتمع بعين التقدير من جهة والتفهم من جهة أحرى، فليس من السهل بتاتا أن نعيش الإعاقة ونتعايش معها، وإن حققنا من الطموح ما حققنا، فلا شيء من النجاح دون ثمن، إنما هو حصيلة كفاح وتضحيات وإصرار وعزم والكثير من اللامبالاة بما يؤذينا، فمن أكثر ما يسيء للمعاق غياب الحس التواصلي وحديث الآخرين نيابة عنه، فيقال لي “سهام توقفي، سهام لا تفعلي، سهام لا يمكنك فعل ذلك، سهام لم أظن أنك طيبة ومتواضعة…”، والكثير من الأقاويل التي تسمع عنا ولا تسمع منا. نحن فئة مرهفة الإحساس نحتاج لمن يأخذ بيدنا ويدنو لمشاغلنا ويحنو لقلة حيلتنا، نحتاج للكثير من الاهتمام والاحتواء والقليل من الانصات والقبول، نحتاج للحديث عن أنفسنا بأنفسنا، ولا نحتاج لمن يقصينا لأنه يعتقد أننا قاصرون، نحتاج لفرص نثبت من خلالها ذاتنا وقدراتنا، نحتاج لأن يبادر الآخرون في التحاور معنا دون أحكام مسبقة، لأننا دون شك فئة أرهقها الاقصاء لدرجة أصبحت تتردد في خوض روح المبادرة دون تشجيع أو تحفيز.

حلم سهام ورسالتها

تسترسل سهام في وصف جنة أحلامها فتقول، أبسط أحلامي “عمل أسد به جوعي”، وأنا المتفوقة على دفعة ماستر 2021 في الاتصال والعلاقات العامة، “لا أخفيكم أن الفقر قد هزمني وأنا التي هزمت الإعاقة”، فمن الصعب أن يلتقي عليك عدوان ويكابداك هزائم طولها الصحة وعرضها عزة النفس، لأن المال يعين مالكه دون شك لتهوين النقص والقصور الجسدي، أما عن سلاحي في ذلك فهو الدعاء واليقين وحسن الثقة بالله. أما أكبر أحلامي فهو تأسيس مؤسسة ناشئة من المعاقين إلى المعاقين، أشتغل فيها يدا بيد مع العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لم ينصفهم المجتمع بفرصة عمل مستقر وأغطي بهذه المؤسسة احتياجات هذه الفئة من تجهيزات خاصة صنعت بكل حب بأنامل أقرانهم.

أما رسالتي، لأشقائي في الشقاء من المعاقين جسديا عدم الإكتراث لما حولهم من ظروف مثبطة، عليهم فقط أن يؤمنوا بأنفسهم وقدراتهم ويمضوا قدما نحو النجاح والتميز، أما غير المعاقين فعليهم أن يحاولوا فهم المعاق وتفهمه فهو انسان ذو احتياج خاص يتطلب اندماجه معاملة لينة وتواصلا طيبا واحتواء رحيما.

عن admin1

شاهد أيضاً

فتاوى العلماء|”لا تراعى الواقع وتأثيرها على مصداقيتهم لدى الجمهور”

فتوى العلماء هى مصدر هام للتوجية والإرشاد للناس فى مختلف القضايا الدينية و الإجتماعية، ومع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *