الراحل الدكتور عبدالعزيز المقالح
الراحل الدكتور عبدالعزيز المقالح

في وداع شاعر «صنعاء العروبة» رائد الحداثة الدكتور عبد العزيز المقالح

بقلم – الشاعر عباس الصهبي:
آه..كم أعشق الشعراء، الأبرار الصادقين، الذين «تتقاطع» حياتهم مع حياة أوطانهم، فيصبح وجود وطنهم وبكل ما يواجهه من أحداث جزءاً من صميم نبض وجودهم الحقيقي والأصيل، أمثال العظماء: شوقي، والشابي، ونزار قباني.
‏وقد وقعتُ في غرام إبداع شاعر اليمن الراحل الكبير الدكتور/ عبد العزيز المقالح منذ أن قرأت أبياته الشعرية الرائعة: «في لساني يمنْ! في ضميري يمنْ! تحتَ جلدي تعيشُ اليمنْ! خلفَ جفني تنامُ وتصحو اليمنْ! صرتُ لا أعرفُ الفرقَ مَا بيننا: أَيُّنَا يَا بِلادِي.. يكونُ اليمنْ؟!»!!

فما أعظمه وأروعه شاعراً فذَّاً آثر أن يغيب عن حياتنا، مريضاً

الشاعر عباس الصهبي
الشاعر عباس الصهبي

مُقْعَداً في صنعاء!! (( لم تلتفت – بكل أسف – وكالات الأنباء العربية والعالمية حين نقلت خبر وفاته مساء الإثنين الماضي، 28 نوڤمبر/ تشرين الثاني، 2022، إلى أن تكشف لنا «مغزى» إصراره ألا يغادر “صنعاء” في ظروف مرضه الطويل وعمره المتقدم (85 عاماً) وهو العلَم العلامة الفذ المعلم لأجيال العروبة في الشعر والنقد، فقد آثر «ألا تغمض عيناه» إلا تحت سماء عاصمة بلاده “تحت القصف”))!

لقد كان أول ما شدّني مبكراً لشعره قصيدته المتمردة: «الخروج من دوائر الساعة»، وبالذات في أول مقاطعها: «من شجرِ القاتِ..ومن قواميسِ اللغاتِ الميتةْ/ أخرجُ شاهراً حرفي.. ممتطياً صوتي/ أسيرُ/ في يميني وردةُ الميلادْ/ في يساري نخلة الميعاد/ في دمي بشارة القيامةْ».

وتضاعف شغفي به مع نضوجه الشعري والقومي العربي حين أطلق قصيدته المُركَّبة: «الصوت والصدى»؛ بمطلعها: «(الصوت): عشرونَ عاماً لم أنمْ/ عينايَ جثتانْ/ ينهشُ الظلامُ فيهما/ وينخرُ الألمٰ/ حنجرتي مقطوعةٌ/ صرتُ بغيرِ فَمْ/ صرختُ/ مات الصوتُ في الأعماقْ/ الريحُ حولي ترسمُ الإخفاقْ/ تأكلُ ما تبقى من حروف الأمل القديمْ/ والأشواقْ! (الصدى): و” سالومي” تغني في ملاهي القدسِ/تنشرُ لحمَها في المسجدِ الأقصىٰ/ وتطلبُ كلَّ رأسٍ راكعٍ فيهِ/ لتُرفعَ عالياً من حائطِ المبكى»!!

وتظل بالذاكرة قصيدته في رثاء الزعيم الراحل عبد الناصر، بمطلعها الملحمي المأساوي المدوِّي: «هنا ينام متعباً/ من أتعب الأيام والفصولْ/ من عبرت خيولُه فوقَ جبينِ الشمسِ والزمنْ/ فما وَنَى ولا وهنْ/ حتى وَنَتْ مِنْ تحته الخيولْ/ واستسلمتْ لراحةِ الكفنْ/ فآثرَ القفولْ/ ونامَ موهنَ البدنْ»!!

وليبقى التساؤل الملغز: حقاً، أتراه الدكتور عبد العزيز المقالح، رحمه الله، كان يرثي نفسه دون أن يدري، وبنفس القصيدة، حين اختتمها، بقوله: «من أيقظ العيون/ … هنا/ ينامُْ مُتعبَ الجُفُونْ»؛ فقد كان أيضاً ثائراً «تنويرياً»؟!!

عن زوايا الأخبار

شاهد أيضاً

الإبادة الفكرية والثقافية

كتب | وائل أبو طالب إن ترسيخ وصناعة الكذب والمعلومات المغلوطة ولا سيما تلك التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *