الكاتبة سماح مبارك

أبناء الأب المُعدد الصوت الصامت | بالألوان

بقلم | سماح مبارك

لا يزال تعدد الزوجات من المواضيع الاجتماعية الشائكة، التي يتحدث عنها الكثير من الحقوقيين والعلمانيين بشكل متحفظ، خوفاً من هجوم التيارات الدينية عليهم، فالتعدد شأنه شأن الكثير من الامور المباحة دينياً وبشروط معينة،أصبح وبشكل “مفاجئ” في السنواتالأخيرة، غير خاضع لأية شروط، بل،يعمل الكثيرمن رجال الدينعلى تشجيع الأزواج عليه، باعتباره هو الأصل والاكتفاء بواحدة هو الاستثناء رغم الاختلاف في تفسير آيات التعدد.

لقد شجعت فتاواهم على تعدد الزوجات،وتعاملوا معه كركن من أركان الإسلام واجب التنفيذ، ورغم وجود التعدد في ديانات وثقافات أخرى، إلا أن معظمها قد تم منعهاكُلياً أو قيدهابشكل كبير، إن الدين الإسلامي والذي وضع شروطاً للتعدد أصبح اليوم وبفضل الفتاوى الجديدة غير مُلزِمٍ للراغب في التعدد بأي منها، والتي أهمها وأكثرها إنسانية هو حق الزوجة الأولى في معرفة رغبة زوجها بالتعدد.

وقد اعتبروا حق الزوج الزواج بأخرىبعلم زوجته الأولى شريكته في الحياة، أمراً غير واجب، بل وتمادوا في تحميل الزوجة التي ترفض ذلك ذنب هدم وتفكك أسرتها واعتبروا ذلك مجرد (مظلومية) تدعي فيها الإهانة والإحساسبالغدر،بل ووصفوهابالنشوز والكفر بالشرع!إن أسباب التعدد مضحكة جداً وسخيفة بالنسبة للنساءوفيها تمييزاًذكورياً وتماهياً شديدالوضوح مع عاطفة ومزاج الرجل، مع التجاهل التام لعاطفة وحقالزوجة في علاقة إنسانية تكاملية كالزواج، لقد وصل تحقير المرأةفي حملات المطالبة بالتعدد حداً صارخاًمن الاستهتار بها كإنسان من حقه رفض انتهاك حياته،دون أن يتم عقابها على ذلك وتحميلها مسؤولية هدم الأسرة عوضاً عن الرجل المستهتر. إن اعتبار التعددسنة مهجورة وجب إحياؤها في بلدان متهالكة سياسياً واقتصادياً كبلداننا هو بمثابة انتحار جماعي.

ولكن هل فكر المُعدد يوماً بتأثير التعدد على الأبناء أيضاً؟ في الحقيقة ان تأثير التعدد على الأبناء من الناحية النفسية خطير جداً، فأغلب أبناء الزيجات المتعددة عاشوا حياة خالية من الترابط الأسري الحقيقي وسط مشاحنات وعداوات بين الإخوة من أمهات مختلفات،إن الصورة الوردية الحالمة التي عززها مسلسل الحاج متولي عن تناغم وتفاهم الزوجات هو محض خيال بحت من المؤلف، وإن تحقق فبنسبة ضئيلة جداً، خصوصاً في زمن تعزيز ثقة النساء بأنفسهن وبأهمية دورهن في بناء المُجتمعات الحديثة.

 يشير تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام ٢٠٢٠ في مصر،أن عدد عقود الزواجعام 2019،  بلغ44.870 ألف عقد زواج لرجل يجمع بين أكثر من زوجة، بينما أكد التقرير الإحصائي السنوي لعام 2019 الصادر عن دائرة قاضي القضاة على أن عقود الزواج “المكرر” في الأردن خلال آخر 5 سنوات وصلت نسبته إلى 7.6% من مجمل عقود الزواج فيها، فكيف نعتبر هذا العدد المهول من الزيحات المتعددة محمدة لا مفسدة في مجتمعاتنا كثيرة الإنجاب، والتي بالكاد يستطيع فيها الآباء تأمين لقمة عيش كريمة لأبنائهم،بالإضافة لتأمين الوقت الكافي الذي يحتاجه كل طفل لقضائه مع والده،مع تطور الحياة وسيطرة التكنولوجيا على جميع النواحي فيها وانشغال الأبناء بهواتفهم المحمولة وألعابهم الإلكترونية.

تقول السيدة سميرة وهي مدرسة في أحد المدارس الابتدائية في السودان،أن أكثر الأطفال الذين يعانون من الانطواء ومشاكل التأخر الدراسي أو من المشاكل السلوكية والنفسية هم الأطفال اللذين يعانون من العنف المنزلي والجنسي،يليهم الأبناء في أسرة لأب مُعدد، حيث يعيشالطفل في جو يسوده التوتر غالبا مع أم غاضبةوأب غير متواجد.

في إحدى منصات برنامج “الكلوبهاوس” الذي يعتمد على المشاركات الصوتية تم نقاش موضوع تأثير التعدد على الأبناء في مساحة بعنوان: “التعدد من وجهة نظر أبناء المُعدد” والتي كان فيها شهادات حية لرجال ونساء من دول مختلفةعن الضرر والآثار النفسية والاجتماعية التي سببها التعدد لهم،لقد اعترف الكثير منهم أنهم لم يقبلوا فكرةالتعددأبداً ولكنهم تعلموا كيفية التعايش معها، وأن العداوة والبغضاء والمقارنات التي لا تنتهي موجودة بشكل خفي بين الإخوة، وتؤثر بشكل كبير على علاقتهم ببعضهم وعلاقتهم بأبيهم، في الحقيقة لو عرف الأب مدى فداحة استخدامه”لحقه” في التعددوتأثيره النفسي على أبناؤه قبل زوجته لما استخدمه بتاتاً.

هناك الكثير من دعوات تقنين تعدد الزوجات كان أهمها تصريحات أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة،والذي دعافيها إلى الاكتفاء بزوجة واحدة، معتبراً أن من يقولون إن الأصل في الزواج هو التعدد مخطئون، واعترف بالظلم الذي يسببه للزوجة والأبناء. ومبادرة “بلا تعددأفضل” التي أطلقتها الكاتبة والصحفية المصرية فابيولابدوي، والتي تُطالب بتقنين وتقييد شروط التعدد بنصوص قانونية واضحة،وهناك أيضاً بعض القوانين التي تقيد التعدد في كل من سورياوالمغرب والعراق، والتي اشترطت موافقة القاضي على منح رخصة التعدد للزوج بشروط معينة،ورغم إيماني بضرورة منع الزواج المتعدد جملة وتفصيلاً، إلا أنني أرى في تلك المبادرات والقوانينحلاًمنطقياً للدول التي يُعتبر مصدر القوانينفيها هو الشريعة، ولكن وحتىالآن، لم تتجرأ أي دولة على منع الزواج المتعدد تماماً،سوى بعض الدول التيتتبع القانون العلماني مثل تونس وتركيا، والتي أوقفت مهازل هذا النوع من الزيجات وآثاره المدمرة على تكوين الأُسر في المجتمعات،ولأنها لم تعد تتماشى مع قوانين تمكين المرأة في المجتمعاتالمعاصرة وحقوق الإنسان.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

الإبادة الفكرية والثقافية

كتب | وائل أبو طالب إن ترسيخ وصناعة الكذب والمعلومات المغلوطة ولا سيما تلك التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *