سيميولوجيا الجسد في القمة العربية بالجزائر 2022

 

 تايم نيوز أوروبا بالعربي | نسيمة طايلب- جامعة الشلف

عادة ما يستعمل الجسد لنقل رسائل اتصالية عفوية تحملها الأعضاء الجسدية بشكل تلقائي غير موجه، أما حين توجيهها إلى طرف محدد فعادة ما تكون مصحوبة بإصرار المرسل و حرصه على وصول المعنى إلى للمتلقي (ن) بالشكل المرغوب، فتَنْتَقِل الشفرات الجسدية في هذه الحالة من بعدها العفوي إلى القصدي.

لذا يقع على عاتق القائم بالاتصال، أو الناطق الرسمي لجهة محددة مسؤولية الاهتمام والتدقيق في لغته اللفظية وغير اللفظية لما للأخيرة من دلالة رمزية تحتمل تعدد القراءات والتأويلات، ونظرا لهذه الاستخدامات تتجه أغلب الممارسات السياسية نحو التركيز على لغة الجسد كوسيط اتصالي عميق الدلالة وبالغ الأثر.

على هذا الأساس، حاولنا الاستقراء السيميولوجي لأهم العناصر الجسدية المستخدمة خلال الدورة العادية الـ (31) للقمة العربية المنقعدة بالجزائر يومي 01 و02 نوفمبر 2022 تحت شعار “لم الشمل”، ابتغاء فهم رسالية الجسد الاتصالي ورمزيته.

 سيميولوجيا بروتكول الاستقبال…الجسد  المتحرك يتحدث

 

الملاحظ من خلال تتبع مختلف الوضعيات الجسدية عبر الفيديوهات والصور الـمُلتقطة لمراسيم استقبال الوفود المشاركة في القمة العربية بالجزائر حالة من الارتياح الرسمي البادية على ممثلي الدولة المنظمة وضيوفها، ويظهر ذلك جليا في وضعيات الحركة والسكون الجسدي بما فيها الإيماءات والحركات التعبيرية للوجه، العينين، الفم.. وكذلك حركة اليدين، وضعية الجسد خلال الوقوف، الجلوس، اتجاه الجسد قبل، أثناء وبعد عملية الاستقبال والتواصل المباشر، إذ توحي هذه الرموز الجسدية في أغلبها بارتياح متبادل، انشراح وتفاؤل، تضامن ودعم… مع تفاوت في مستويات الترميز والدلة.

أما في تحليلنا لفيديوهات استقبال السيد رئيس الجمهورية الجزائرية ضيوف الجزائر الشرفيين والمشاركين في القمة في رحاب مطار “هواري بومدين الدولي” وكذا المركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال”، تبين الاستخدام الرمزي لوضعيات الجسد وما تحمله من دلالات سيميولوجيا عبرت في مجملها على اريحية وثقة الطرف الجزائري في التعامل، وكذا التفاؤل المقرون بالثبات في المواقف ويتجلى ذلك في:

زمنية العناق والمصافحة والاطالة فيهما، الضم بكلا اليدين، التشديد على الإمساك بالضيف، الشد على الكتف (ين)، أسبقية المصافحة، بسط اليد وأسبقية مدها خلال المصافحة، الجمع بين عدة أساليب ترحيبية كالتقبيل مع المصافحة والعناق، بروكسيماء التواصل الجسدي وما تعنيه مسافة البعد والاقتراب الجسدي من قبول… بالإضافة إلى ودية الملامح التعبيرية للوجه كدرجات الابتسامة وشد الوجه، مدة التواصل اللفظي وغير اللفظي، وهي رسائل جسدية تعكس الموقف الجزائري الرسمي من ترؤسها القمة العربية الحالية وتعكس شعارها المتمثل في لم الشمل الذي تجسد في اللغة الجسدية قبل اللفظية، من خلال الحرص على توحيد الصف العربي في القضايا السيادية المشتركة.

أما بالنسبة لممثلي الوفود المشاركة في القمة فقد تعددت استعمالاتهم للجسد الاتصالي وقد عبر كل حسب سياقات المشاركة وأهدافها على رسائل اتصالية مهمة، توحي في مجملها بقيم رمزية ذات دلالة، تمثلت في الاستعداد للتعاون، التضامن، تعليق الامال، التشجيع والدعم، التوافق في الرؤى، الارتياح والانشراح، الإقبال بجدية وحزم، الارتباك المسبق … والتي تظهر في تسارع خطى المشي على السجاد الأحمر من عدمه، أسبقية التحية والمصافحة، المبادرة بالفعل وطبيعة رد الفعل… وكلها رسائل غير لفظية تعزز أهداف القمة وتدعمها من خلال التأكيد اللفظي على الاستعداد العربي لمواجهة تحديات المجتمع الدولي وتغليب المصلحة المشتركة على المصالح الفردية.

سيميولوجيا الصورة الجماعية… الجسد الساكن يتحدث

على نفس وتيرة التحليل السيميولوجي للجسد الاتصالي خلال مراسيم الاستقبال والمرتكز أساسا على تحليل وتفسير وتأويل الجسد المتحرك، يمكن استقراء دلالات الجسد الساكن خلال التقاط الصور التذكارية ثنائية كانت أو جماعية.

فمن الناحية التاريخية، عهدت الجامعة العربية منذ قمتها الأولى على إلتقاط الصورة الجماعية التذكارية لكن الالتقاط كان عشوائي وغير مدروس في البداية، إلى غاية اعتماد بروتوكول الصورة الجماعية للقمة كما هو معمول به في العديد من القمم الدولية عبر العالم، فمراسيم التقاط الصورة التذكارية تخضع عالميا لترتيبات مسبقة متعارف عليها، كأن تكون الأولوية للملوك والأمراء والسلاطين و الرؤساء في الصف الأول، ثم من ينوب عنهم من رؤساء الحكومات ورؤساء الوفود المشاركة في الصف الثاني يتوسطهم رئيس القمة، لذا يظهر جليا من خلال الصورة الجماعية لقمة الجزائر أن السيد عبد المجيد تبون هو رئيس الجمهورية الجزائرية المستضيفة للدول العربية.

وقد تم إلتقاط الصورة التذكارية للقمة العربية بالجزائر 2022 قبيل البدء في أشغالها لضمان حضور أكبر قدر ممكن من القادة والزعماء العرب المشاركين، والبالغ عددهم في الصورة التذكارية (22) شخصية موزعة على صفين (13) منهم في الصف الأول الأمامي و (09) منهم في الصف الثاني الخلفي، فتأجيل إلتقاط الصورة إلى غاية انتهاء الجلسات عادة ما يعترضه انصراف المشاركين فور اختتام أشغال القمة.

الملاحظ أيضا تموقع أغب المشاركين في الصورة وفق البروتوكول الدولي المعمول به في هذا الشأن، مع الإلتزام بالملابس الرسمية اللازمة لمثل هذه المناسبات والمتمثلة في البدلة الرسمية ذات اللون الأسود على غرار رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي أو الأزرق الليلي أمثال رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، بمجموع (15) شخصية من (22) مشارك في الصورة، في حين ارتدت (7) شخصيات اللباس التقليدي لدولها على غرار سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر وكذا وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان.

تخضع الأجساد الاتصالية لرؤساء وملوك وممثلي الدول الوفود المشاركة لوضعية السكون الجسدي لمدة دقيقتين على الأكثر والتي يطبعها الرسمية والجدية، قبل أن ينصرف الجميع لبدء أشغال القمة، وهو ما يتطلبه الموقف الإتصالي.

عن admin1

شاهد أيضاً

«حسام هيبة».. هل يخلف د. «مدبولي» في رئاسة مجلس وزراء مصر ؟!

شهدت بورصة توقعات المرشحين لرئاسة مجلس وزراء مصر الجديد، مؤخرًا؛ صعود عدة أسماء تصدرها اسم …

تعليق واحد

  1. عباس الصهبي

    ما أروعك أستاذة/ نسيمة هانم طايلب، وما أدق وأعمق تحليلك للغة الجسد عند زعمائنا العرب؛ فقد أبدعتِ في تحليلك السيميائي الرائع.. بارك الله فيكِ وحفظكِ لنا بكل الخير والصحة والسعادة والعلم والإبداع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *