القمة العربية بالجزائر في صورة بريدية قراءة سيميولوجيا للطابع العربي الموحد 2022

قبل استنطاق الرموز التركيبية للطابع البريدي الموحد في طبعة 2022، وجب علينا استذكار القليل من المحطات التاريخية والمعرفية في خصوص الطوابع البريدية عموما والطوابع البريدية العربية الموحدة على وجه التحديد.

تايم نيوز أوروبا بالعربي | نسيمة طايلب – جامعة الشلف

فمن الناحية الوظيفية، عادة ما يستخدم الطابع البريدي كوسيلة اتصال حضاري واعلامي حدثي، كما أنه يعكس على الأغلب أبعادا جمالية، تاريخية، حضارية، ثقافية وفنية… تتزامن مع الأحداث الراهنة تارة، وتُوَثِّق لأحداث بطولية ماضية تارة أخرى. ما يجعلها عنصرا فاعلا من عناصر الهوية الوطنية والذاكرة الجمعية للجماعات والدول، وهذا هو الحال مع الطابع البريدي العربي الموحد.

أما من الناحية التاريخية، تنتهج الدول العربية أسلوب التشارك في صناعة هوية بريدية موحدة كل ثلاث سنوات، وهي الهوية التي تعمل جامعة الدول العربية على بلورة موضوعاتها بالنظر إلى الاتفاق على أهميتها للدول الأعضاء. والطابع الذي نعتزم قراءة دلالاته السيميولوجية، هو الطابع الذي تم إصداره بمناسبة القمة العربية بالجزائر، والتي تجري أشغالها يومي 01 و02 نوفمبر 2022.

إذ أشرفت وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية الجزائرية على إصداره ابتداء من 28 سبتمبر 2022، عن دار النقود لبنك الجزائر، وهي الجهة الوحيدة المخولة وطنيا بإصدار الطوابع البريدية. وقد إقترحت الجزائر التصميم الحالي للطابع البريدي الموحد في الدورة العادية الواحدة والثلاثين (31) لقمة جامعة الدول العربية، فيما تم اعتماده بشكل رسمي خلال انعقاد الدورة الواحدة والأربعين (41) للجنة العربية الدائمة للبريد شهر جوان/ يونيو المنصرم، كما تمت المصادقة عليه على مستوى مجلس وزراء العرب للاتصالات والمعلومات. ليتم اعتماده وإصداره بكافة الدول العربية بشكل تدريجي، على غرار ما قامت به تونس، سلطنة عمان، جيبوتي ومصر، مع تغييرات طفيفة في الخلفيات والاحتفاظ بالرمز المحوري لجامعة الدول العربية، في إطار تثمين العمل العربي المشترك في المجال البريدي.

وقد أشرف على عملية الختم الأول للطابع السيد عبد الوهاب بارة المكلف بتسيير الأمانة العامة لوزارة البريد بالجزائر، نيابة عن وزبر القطاع كريم بيبي تريكي، رفقة الأمين العام المساعد للجامعة العربية السيد حسام زكي.

وللأمانة، فقد تشكل اهتمامنا للبحث في الموضوع على إثر نقاش أثارته الإعلامية الجزائرية نجية صماتل التي قامت بإعداد مادة اعلامية في هذا الخصوص، وعليه حاولنا في متن هذا المقال التوسع في الطرح ومعالجته بشكل علمي متخصص، من خلال تحليل أهم العناصر التركيبة للطابع البريدي العربي الموحد وفهم خلفيات استعمالها ومقاصدها الاتصالية بنوع من التفسير والتعقيب.

فمن الناحية السيميولوجية، تعكس العناصر التركيبة للطابع البريدي الموحد في طبعة 2022 عددا من المكونات الشكلية، البصرية واللسانية. فيما يخص المدونة الشكلية، فهي تضم الفسيفساء الإسلامية والتي سيطرت على الخلفية الكاملة للطابع، بما تعكسه هذه الزخارف من رمزية حضارية وثقافية توحي بالمشترك الديني للدول العربية. وهي ذات الفسيفساء التي يتزين بها مسجد الجزائر الأعظم، وقد كشف مصمم زخارف جامع الجزائر السيد عبد المالك موساوي أن الزخرفة التي استعملت في تصميم المسجد كانت إسلامية مستوحاة من التراث المغاربي الأندلسي الجزائري بمرجعية وهوية جزائرية، بالإضافة إلى استخدام الزخارف النباتية والخطية وزخرفة المقاييس.

كما توحي تفاصيل هذه الرسومات المتداخلة بشكل هندسي متناسق إلى مساعي القمة العربية الحالية في خلق رؤى متقاربة ومتكاملة ومتناسقة في مخرجات قمة الجزائر التي تناقش قضايا عربية مشتركة وتَتَدَارَس أزمات المنطقة العربية وقضايا أمن الغذاء والطاقة في ظل الأزمة الروسية، فحلقات الفسيفساء الإسلامية ترمز إلى الفواعل العربية المشاركة في القمة ومساعيها في تَبَاحُث سبل تحقيق الرؤى التوافقية، المتداخلة في قراراتها والمتكاملة في بنيتها، وهذا ما يُقر بوجوب تماسك الدول العربية المشاركة تماسك حلقات الفسيفساء.

فيما يخص المدونة البصرية، فيتضح من أول نظرة للطابع البريدي سيطرة صورة مسجد الجزائر الأعظم على المشهد البصري، وقد اختير في واجهة الطابع البريدي كونه معلما أيقونيا للجزائر بما يميز هويته المعمارية من هندسة تجمع ثوابت الدولة الجزائرية في منشأة واحدة، فهو هيكليا يمتد على مساحة شاسعة تقدر بـ 30 هكتار، ما يجعله الأكبر مساحة في إفريقيا والثالث في العالم، بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، بالإضافة إلى حيازته على أكبر مئذنة في العالم والتي يفوق علوها 265 مترا، فيما يبلغ قطر الثريا 13 مترا وهي الأكبر عالميا، فمسجد الجزائر الأعظم يجمع في وظيفيته بين الدين، والتاريخ والثقافة.

فأما البعد الديني، فمن المعلوم أن أي مؤسسة دينية تبتغي ضمن أهداف تأسيسها بعث القيم الدينية والمحافظة على رسالة التوحيد مبدأ وفعلا. فلطالما كان المسجد مكانا رمزيا لفض النزاعات وحل الخلافات ومعالجة المشكلات وفق مبدأ الشورى والأمر بالمعروف، وهي الأهداف التي تتوافق مع راهنية القمة وتصريح السيد رمطان لعمامرة وزير الشؤون الخارجية والجالية الجزائرية بالخارج حين قال: “تظل الجزائر رمزا لوحدة الشعوب والالتفات لنصرة الحق”. أما تاريخيا فهو يحمل رمزية خاصة بالنظر إلى تاريخية الموقع الذي شيد عليه، وكذا المتحف المتواجد بمنارة المسجد والذي يضم مختلف المحطات البطولية في تاريخ الجزائر.

في حين تعكس هندسة المسجد الداخلية والخارجية ومختلف عناصره التأثيثية بعدا هوياتيا حضاريا وثقافيا يدعمه ويؤكده المركز الثقافي المتواجد بالمسجد.

بالإضافة إلى ما سبق، يعد ارتسام الطريق في المشهد البصري للطابع البريدي عنصرا دلاليا يوحي بمسارات التباحث الممكنة في القضايا العربية الراهنة، بما يحمله المسار من سبل للتحاور وابداء الرأي والرأي الاخر في إطار اختلاف الرؤى لا تعارضها حد الاصطدام وما يمكنه أن يفرزه من عواقب وخيمة لا تخدم دون شك مساعي التوافق العربي. فالطريق المحاذي للمسجد في صورة الطابع البريدي تعبر عن نهج العمل العربي المشترك ومسالك التشاور والتدارس للقضايا الراهنة والمستقبلية.

وهو ما يتوافق مع تصريح وزير الشؤون الخارجية والجالية الجزائرية بالخارج حين قال: “الجزائر تعول كثيرا على الـجميع في القمة العربية لتحقيق انطلاقة جديدة للعمل العربي المشترك وفق نهج يتجاوز المقاربات التقليدية ليستجيب لمتطلبات الحاضر”.

أما أعمدة الإنارة على أطراف الطريق، فهي تشير إلى القضايا الطاقوية التي ستكون من ضمن أولويات البحث والتشاور المشترك خصوصا في ظل الأزمة الروسية.

بالنسبة للمدونة اللونية، فقد طغى اللون البني على الطابع البريدي، وهو ما يعبر عن الوحدة الترابية المشتركة للدول العربية، وهي الوحدة التي لطالما نادت بها جامعة الدول العربية في الخريطة الرسمية المعتمدة والتي لا تضم أي تقسيم حدودي للدول، إنما تدعو للاتحاد الترابي المشترك على قضايا عربية مشتركة.

فيما ضمت المدونة اللسانية عنصرين تحليلين رئيسيين، فأما العنصر الأول فهو العنصر المركزي للطابع ويشمل لوغو جامعة الدول العربية مع تحديد الأطر الزمانية والمكانية لانعقاد القمة، والتي شملت:

اسم البلد المستضيف للقمة العربية الحالية: الجزائر باللغتين العربية والانجليزية.

– الجهة المشرفة على إصدار الطابع البريدي: بند الجزائر.

– زمنية الحدث: بالتاريخ الميلادي والهجري 1نوفمبر 2022/ربيع الثاني 1444.

– المرجعية التاريخية للإصدار: الدورة العادية الحادية والثلاثون.

بينما شمل العنصر الثاني: عنوان الطابع “الطابع العربي الموحد 2022” باللغة العربية والأمازيغية والإنجليزية وهي تجمع اللغات التواصلية الرئيسية والممكنة راهنا ومستقبلا في الجزائر.

حاولنا بناء على كل العناصر التركيبة لصورة الطابع البريدي الموحد 2022، استنطاق الدلالات الرمزية للرسالة المصورة ومقاربتها بسياق الإصدار، الذي عبر عن صورة الجزائر الرائد والقائدة لفعاليات القمة العربية 2022، وأبان عن شمولية الطابع ورسالته التي لخصت القمة العربية بالجزائر في صورة بريدية ضمت المشترك الديني والحضاري والثقافي في إطار البحث عن التوافق والاتحاد العربي ضمن خارطة طريق يتم التباحث حولها خلال يومي القمة وهي الرمزية المعلن عنها في الطابع، ولم الشمل المفقود في الصورة والمنشود عنه في برنامج القمة، لتكون بذلك أهم المخرجات المنتظرة من قمة الجزائر.

عن admin1

شاهد أيضاً

آلة الكمان فى برنامج البحر واحد والكنوز ألوان فى صوت العرب

القاهرة | خاص غدا الاثنين في الساعة العاشرة والنصف صباحًا على راديو صوت العرب في …

2 تعليقات

  1. سليم انثروبولوجي

    استاذة موهوبة ربي يحفظك من نقطة بامكانها كتابة صفحات ثرية

  2. شكرا سيدتي على اهتمامك بالطابع البريدي ولكنك مع الأسف قمت بالخلط بين التصميم المعتمد للطابع البريدي العربي الموحد الصادر عن بريد الجزائر وبين الصورة الإعلانية المرسلة لوسائل الإعلام قصد الترويج له والتي ظهرت في حفل إزاحة الستار عنه يوم 28 سبتمبر 2022. تعرض هذه الصورة الطابع البريدي بخلفية زخرفية وصورة ليلية لمسجد الجزائر، مما جرك إلى تخصيص فقرات طويلة لمحاولة إيجاد دلالات لصور لم يحملها الطابع كمثل كلامك عن”مسجد الجزائر الأعظم” وهندسته والطريق المحاذية له والبعد الديني والفسيفساء الإسلامية وأعمدة الإنارة وطغيان اللون البني إلخ، كلام يبقى كله خارج الموضوع.
    وللتوضيح فالطابع البريدي الجزائري ذي الشكل الدائري صدر في 20 أوت 2022 وليس في 28 سبتمبر 2022 والجهة المشرفة على إصداره هي بريد الجزائر وليست بنك الجزائر وهو المؤسسة المكلفة بالطباعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *