الكاتبة سماح مبارك

استباحة المشاهير من النساء! | بالألوان

بقلم | سماح مبارك

هل تُعامل النساء معاملة الإنسان كامل الأهلية والذي له الحق في تقرير مصير حياته واختياراته حتى وإن كانت خاطئة في مجتمعاتنا؟ وهل تُرجم النساء بحجر حين يُخطئن بينما يُغض الطرف مع الرجال عند ارتكابهم نفس الأخطاء؟

أسئلة تطفو إلى السطح تزامناً مع قضية فنانة عربية شهيرة تتداولها وسائل الإعلام هذه الأيام، وعلى الرغم من معرفتنا للأجوبة، إلا أن تسليط الضوء عليها هو أمر في غاية الأهمية لكل من يؤمن بحق الإنسان في تحديد مصيره بغض النظر عن جنسه.

فالفنانة المشهورة صاحبة الصوت العذب والتي يعشقها الملايين، تعرضت لعدة أزمات متتالية خلال السنوات الأخيرة، وتعامل الجمهور مع كل أزمة منها بطريقة أقرب للعتاب والتوبيخ منها إلى التعاطف، فاختيارها لشريك حياتها الأخير وإخفاقاتها “الشخصية” المتعددة، وضعها تحت المجهر وتحت انتقادات لاذعة من متابعيها، خصوصاً بعد تداول أخبار عن تعاطيها للمخدرات ودخولها مصحة للعلاج من الإدمان.

لقد تعامل الوعي الجمعي العربي مع قصتها بعقلية الوصي على قراراتها وتصرفاتها، وهذه من المشاكل التي تعاني منها المشهورات في منطقتنا العربية تحديداً منذ الأزل، حيث يضع الجمهور تصوره المسبق عما يجب أن تكون عليه هذه السيدة “المشهورة” على عكس الرجل “المشهور”، ناسيين او متناسيين أنها أيضاً بشر يحق لها ان تعيش جميع المشاعر الإنسانية بإخفاقاتها ونجاحاتها، ومع الأسف، لقد ساهم وجود الانترنت اليوم في انتشار الحياة الشخصية للمشاهير بتفاصيلها الدقيقة وسمح للجميع بالتدخل فيها.

لطالما كانت النساء في كل المجالات سواء كن فنانات، أديبات، عالمات في تخصصات مختلفة أو عاملات في صناعة الموضة والأزياء وصولاً للأميرات ونساء السلطة والسياسيات، وانتهاءً ب ” الفاشونيستات” وصانعات المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرهن، مادة دسمة للمحاسبة والتنمر وإطلاق الأحكام الجُزافية في العالم ككل، وسبباً في حوادث مؤسفة تحدث لهن كالتحرش والاغتصاب حتى الانتحار، ولكن، اختصت منطقتنا العربية برسم قوالب معينة لا يُراد للمشهورات فيها الخروج عنها ولا كسرها. وعلى الرغم من أن الشكل الخارجي لحياة المشهورات من النساء في مجتمعاتنا يعطي انطباعاً بأنهن أكثر قوة وقدرة على كسر “التابوهات” التي تخص المرأة فيها، لأنهن تمردن على الشكل النمطي المقبول مجتمعياً لعمل النساء، إلا أنهن الأكثر عرضة للضغط المجتمعي وللتصنيف، كما أن الأغلبية منهن يتعرضن للتنمر المستمر ابتداءً من شكلهن الخارجي ووصولاً لحياتهن الخاصة وأسرهن والتي تجعلهن عرضة للاكتئاب وربما الانتحار.

 إن اختيار النساء ذوات الموهبة للمضي قدماً في خط تحقيق أحلامهن، هو طريق محفوف بالمخاطر التي يعج بها طريق الشهرة، وعلى عكس الرجل الذي يدخل هذا العالم واثقاً من قدرته على ارتكاب الأخطاء بكل سهولة، معتمداً على أن عيب الرجل ينساه الناس بمجرد خروجه العلني للاعتذار، أو بمجرد تجاوزه للموقف بدون تقديم أي اعتذار لجمهوره، ونذكر هنا كيف تعامل القانون والجمهور مع المخرج السينمائي الشهير والفنانتين المغمورتين بعد تسريب شريط جنسي لهم منذ مدة، حيث تم حبس الفتيات بتهمة خدش الحياء العام بينما نفذ منها المخرج بكل سهولة، أو مع الفنان الوسيم الذي رفض الاعتراف بأطفاله إلا بقرار محكمة وكيف تعامل الجمهور معه ومع الفنانة الطرف في الموضوع!

من المُلاحظ ان التعامل مع النساء كفاقدات للأهلية والتدخل في حياتهن وممارسة الوصايا المجتمعية عليهن، هو أمر تعاني منه كل النساء ولكني عندما أخصص في هذا المقال الحديث عن المشهورات منهن، فأنا أشير إلى أن الشهرة والمقدرة المادية وتعدد العلاقات الاجتماعية التي قد تبني حصناً منيعاَ حول المشهورة، لا تُعفيها من تعامل المحيط القريب منها من الأهل كإنسانة ناقصة وغير قادرة على تقرير مصير حياتها، وغالباً ما نسمع عن زوج أو أب أو أخ مُسيطر على أموالها وممتلكاتها بحجة الخوف أو الحماية، ولا يحميها أيضاً من حكم الناس المطلق عليها بالتعهير وقلة الأخلاق، فلا يتوقف أحد كثيراً عندما يعدد الرجل العربي المشهور زيجاته على سبيل المثال، حتى وإن تزوج خمسين مرة، ولا أحد يهتم ان كان يستغل القاصرات بحجة اكتشافهن بل يُلقى اللوم على تلك القاصر التي أرادت أن تحقق حلمها الذي وعدها به، ولا يتوقف أحد عند دخول بعضهم إلى مصحات الإدمان او السجن بعد سنوات من التعاطي، ولا نسمع عن زوجاتٍ وأبناءٍ يسعون للسيطرة على أموالهم، بحجة فقدانهم للأهلية إلا بعد وقوعهم ضحايا للمرض وللزهايمر كما يحدث مع النساء المشهورات، وقضية مغنية البوب الأمريكية الشهيرة بريتني سبيرز التي تم الحجر على أموالها من قبل والدها لسنوات، هي من أشهر القضايا التي وضحت تماماً أن تصرفات المرأة” المشينة” من وجهة نظرهم  تعطي الحق الكامل لأقاربها بالتحكم في أموالها بل وبمصير حياتها.

في الحقيقة ان قضية الفنانة المشهورة، أوضحت تماماً كيف يتم جلد النساء عموماً والمشهورات خصوصاً واستباحة حياتهن بتلك الفجاجة كما يحدث اليوم، ولكونهن نساء فإن معايير التعاطف والدعم تكون مزدوجة او حتى معدومة، وأن التعهير والاستنقاص من المشهور أو مباركة استخدام العنف ضده يكون حاضراً وبقوة حين يكون جنسه أنثى! وأن خطأ المرأة يتم التعامل معه بقسوة مبالغ فيها وكأن امتياز تجارب الحياة المختلفة هو حق خالص للرجل بينما على المرأة أن تكون مُسيرة في اختياراتها كي يرضى عنها الجميع وهو ما لا يحدث أبداً.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

ليندا سليم تكتب|مجاعة الشرف

تايم نيوز أوروبا بالعربي | ليندا سليم بصراحة وبدون مقدمات شاحبة لم تروقني فرحة البعض …

3 تعليقات

  1. كلام عجيب ويتعارض مع الأسلوب الذي اعتدناه في تايم نيوز تتحدثين عن شرين عبد الوهاب كضحية وهي اساءت للجميع وللاسف ستستمر بفضل هذا الدعم العجبب انا حقا مزهول هل هذا الموقع الذي تكتب فيه دكتوره ليندا سليم فعلا؟

  2. فابيولا بدوي

    مقال رائع وينطلق من واقعة بعينها لمجال ارحب، ولا ادري لماذا اساءت شرين للجميع؟ هل الجميع يتشارك مع الفنانيبن جياتهم الخاصة؟ لنا من شرين صوتها وفنها فقط، اما عن حياتها الخاصة فشرين امام الجميع ومن منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.. تحية خاصة لتايم نيوز الذي لم يحجب يوما رأيا أو قلما وتحية خاصة لقلمك الرائع استاذة سماح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *