عمر اليماني يكتب|الأحذية التي حصدت كأس العالم

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .. وهزيمة ألمانيا في الحرب .. أصبح شعبها يعاني من الفقر، والبطالة، والتقسيم، والنزاعات .. من يهتم بالرياضة؟ لا أحد .. الرياضة وفي مقدمتها الكرة أصبحت في ذيل اهتمامات الشعب الألماني، بالإضافة إلى أن الخناق على الرياضة كان من الخارج أيضًا؛ حيث تم منع المنتخب الألماني من المشاركة في كأس العالم 1950.

تايم نيوز أوروبا بالعربي|عمر اليماني

كل ذلك دفع الرياضيين في ألمانيا إلى عدم مُمارسة الرياضة، إلا شخص واحد فقط .. شخص آمن بأن الكرة هي الخلاص من كل ذلك .. آمن بحظوظ الألمان في المنافسة على كأس العالم .. لما لا، الفوز به أيضًا .. وسيكون ذلك السر في إعادة إحياء ألمانيا مرة أخرى. هذا الشخص هو مدرب المنتخب الألماني “سيب هيربيرغر” .. الذي قام بدور جبار في جمع اللاعبين من جميع أنحاء البلاد .. بحث في كل آرجاء ألمانيا عن الموهُبين لتمثيل منتخب بلادهم في كأس العالم .. هناك من رفض .. هناك من اعتبره مجنون .. لكنه لم ييأس قط، إلى أن توصل إلى مجموعة من اللاعبين كانوا بمثابة التشكيل الذي سيخوض به “هيربيرغر” مباريات كأس العالم 1954 بسويسرا.

وقَع المنتخب الألماني في مجموعة تضم سويسرا المضيفة، وتركيا، والمنتخب الأقوى آن ذاك منتخب المجر. بدأت البطولة بفوز على سويسرا، ثم مُلاقة المجر بقيادة الأسطورة “بوشكاش”، لكن “هيربيرغر” مدرب ألمانيا قرر بدء المبارة بالقوام الاحتياطي .. الأمر الذي أدى إلى هزيمة ألمانيا بنتيجة مزلة ثمانية أهداف للمجر مقابل ثلاثة للألمان، مع فقدان المنتخب المجري لنجمه الأول “بوشكاش” بسبب الإصابة. فتحت هذه الهزيمة النار على مدرب ألمانيا “هيربيرغر” ولاعبيه؛ الذين كانوا يسقطون على الأرض في مشهد مضحك للغاية بسبب الأمطار. هذا الهجوم اللازع لم ينقص من عزيمة “هيربيرغر” بل دفعه للبحث عن حلول لمواجهة مشكلات مبارة المجر، فألهمه تفكيره إلى التواصل مع أحد أصدقائه .. وكان يعمل صانعًا للأحذية .. وطلب منه صناعة أحذية خاصة ذات بروز من الأسفل لحفظ التوازن، خاصةً في المباريات التي تشهد هطول أمطار غزيرة.
وفي تلك الأثناء كانت مبارة ألمانيا وتركيا مبارة مصيرية، خاصةً بعد فوز تركيا على سويسرا، حيث أصبح الفائز من هذه المبارة هو المتأهل برفقة المجر إلى الدور التالي. حققت ألمانيا الفوز في المبارة لتتأهل برفقة المجر، وتلاقي في الدور الذي يليه منتخبي النمسا ويوغسلافيا، وقد فازت عليهما بسهولة .. وصعدت للمبارة النهائية .. لتلاقي المجر مرة أخرى .. والتي فازت بدورها على منتخب أوروغواي حامل لقب البطولة، ومنتخب البرازيل وصيفه دون مشاركة نجم المجر الأول “بوشكاش”.

في تلك اللحظة، وصلت الأحذية التي طلبها المدرب “هيربيرغر”، وأدلى بتصريح غريب للغاية؛ حيث قال: “إذا كان الجو جيدا فإن المجر ستفوز، وإن هطلت الأمطار فإننا سنفوز”. وأتى يوم المبارة .. الجو مشمس ورائع للغاية، الأمور لا تبشر بالخير للألمان كما صرح مدربهم .. لكن قبل المبارة بدقائق معدودة بدأت الأمطار بالهطول.
وعلى الرغم من هطول الأمطار .. بداية كاسحة للمجر خاصةً مع عودة نجمهم الأول “بوشكاش” كأساسي .. تخبط للاعبي ألمانيا .. هدفين للمجر .. يبدو أن المجر ستكرر نتيجة المبارة الأولى في دور المجموعات. لكن استفاقة للاعبي ألمانيا .. إحراز هدفين لينتهي الشوط الأول بالتعادل الإيجابي بهدفين لكل منتخب.
في الشوط الثاني تزداد الأمطار .. ينتفض الألمان بفضل أحذيتهم التي تساعدهم على الحركة بسهولة حتى أثناء هطول الأمطار الغزيرة .. تراجع ملحوظ للمجر .. ارتفاع صيحات الجمهور وهتافاتهم .. لقد فعلَتها ألمانيا .. ألمانيا تتقدم للمرة الأولى في المبارة عن طريق “هيلموت ران” الذي أحرز هدف التقدم للألمان .. أثار هذا الهدف “بوشكاش” ورفاقه .. هجوم كاسح مرة أخرى من المجر .. هدف صحيح تم إلغاءه بداعي التسلل .. الحكم ينهي المبارة .. ينهي الرحلة .. يعلن فوز ألمانيا .. تحقيق الحلم .. تحقيق اللقب الأول في تاريخهم على أرض “بيرن” السويسرية.

وعاد المنتخب الألماني إلى بلاده مرفوعًا على الرؤوس .. بفضل ذكاء مدربه “هيربيرغر” وإمانه بقدرات لاعبيه .. وتفكيره العبقري في الأحذية التي ساعدتهم على اللعب حتى أثناء هطول الأمطار الغزيرة .. حتى سمي بصانع “معجزة بيرن” 1954 بسويسرا .. هذا الانتصار كان بمثابة عنق الزجاجة الذي سمح لأمة بأكملها بالإنطلاق .. الهدف الثالث لنجم ألمانيا “هيلموت ران” كما وصفه “بيكين باور” أسطورة ألمانيا بعد ذلك قائلا: “كنت في الثامنة من عمري .. أتذكر ما فعله هذا الهدف بنا .. كان بمثابة الهدف الذي حرر أمة بأكملها”. كما أن السينما الألمانية قامت بصناعة فيلم أسموه “معجزة بيرن” في عام 2003 لتحفيز الأجيال القادمة على تخطي المستحيل .. فالمستحيل كما يُقال ليس ألمانياً.
فهل يمكننا أن نعيش لنرى منتخب آخر يصنع معجزة أخرى في الكرة؟ .. لما لا .. والإنجازات لا تُولد إلا من رحم الضغوطات….

عن admin1

شاهد أيضاً

المقعد A37 تفوز في مُسابقة القيصر الأدبية الدولية للقصة القصيرة

كتبت | رئيسة قسم ثقافة وفنون – عبير نعيم المقعد تفوز بالمركز الثامن في مُسابقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *