نسيمة طايلب|الأيام العالمية والإعلام الحدثي

 

تايم نيوز أوروبا بالعربي|نسيمة طايلب – جامعة الشلف

قد يتساءل الواحد منا عن جدوى إحياء الأيام العالمية؟ أليس من التفاهة أن نحيي في كل يوم من أيام السنة مناسبة احتفالية؟ ألم يكن من الأجدر أن نوليها اهتماما على مدار السنة في حال استحقت ذلك؟ ومن هي الجهات المسؤولة عن تنصيب هذه الأيام الاحتفالية وتدويلها؟

من تمييع القضايا إلى رأسملة الفكر الاحتفالي

يتخذ مسار البحث عن إجابة لهذه التساؤلات مسلكين رئيسيين، أحدهما مغالي والاخر غير مبالي.

فأما المغالاة في الاهتمام، فيطبعها التركيز على الشكل والمظهر وتتفيه الموضوع والجوهر، لما يطبع هذه الاحتفالات السنوية من تبذير للمال العام في بروتوكولات لم ولن تضيف شيئا ذا منفعة عامة لموضوعات الاحتفال، خاصة أن المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية الداعمة لموضوعاتها عادة ما تتجه نحو تخصيص أظرفة مالية ضخمة لإحيائها، بالإضافة إلى تنظيم الصالونات والمعارض التي يرى زوارها أنها ذات طابع دعائي وربحي أكثر منه تعريفي توعوي، بينما تلقى الأبواب المفتوحة المنظمة للأغراض التعريفية عزوفا عن الإقبال، أو حضورا محتشما فلا الرسالة تصل بالشكل المطلوب ولا الأثر يقع كما ينبغي، أما المنتجات الإعلامية والاعلانية التي يتم اعدادها في هذا الخصوص فعادة ما تكون فلكلورية المـحتوى هي الأخرى مفرغة من المحتوى الهادف، غرضها الرئيسي مواكبة الحدث والاحتفال من أجل الاحتفال لا غير. حتى يظن الواحد منا أن هاته المناسبات موعد سنوي للاستخفاف بالعقول وتضليل الرأي العام عن قضايا أهم وجب الانشغال والاشتغال بها.

يرتكز هذا الطرح على إفراغ الأيام العالمية من بعدها التوعوي التعريفي وشحنها بالبعد الفلكلوري الدعائي وهو ما يغذيه إسهال ونمطية الاستهلاك الإعلامي الحدثي، إذ تتسم العديد من الخطابات الإعلامية في فترة المناسبات العالمية بسطحية في الطرح والمعالجة، وفتور في التغطية والتناول (فعادة ما نجد نفس الطرح، نفس الضيوف، نفس المنحى دون استشراف للموضوعات) إذ لا يتجاوز التناول الإعلامي لهذه المناسبات خطابات التهنئة والتكريم. وهذا ما يظهر خلال المتابعة الفاحصة للمحتويات الإعلامية التي تواكب الحدث الاحتفالي، فيما تتصاعد حمى التسطيح الإعلامي عبر الوسائط الجديدة لخصائص في الوسائل والرسائل في حد ذاتها كشيوع أسلوب التهكم والسخرية انفتاح فضاءات النشر وقصور أساليب الرقابة على المحتوى بما يدعم انتشار المحتوى المضلل، الزائف والكاذب.

كما يحيلنا الحديث عن المغالاة في الاحتفال بالأيام العالمية إلى بعض الأيام التي لا يعدو موضوعها تكريسا لرأسملة الفكر العالمي وعولمته كاليوم العالمي للشاي، التونة، البيتزا والشيكولاطا والفراولا … إذ يستغل العديد من المنتجين والمسوقين هذه المواعيد الاحتفالية لزيادة المبيعات والترويج للمنتجات التي تتوافق مع المناسبة كالتسويق للمنتجات النسائية في أعياد الأم والمرأة، التسويق للمكملات الغذائية والمنتجات الطبية في المناسبات الصحية…

وقد أفضى بحثنا عن معيار تنصيب هذه الأيام الاحتفالية العالمية والجهة المسؤولة عنها، إلى كون الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر الأجهزة الرسمية مسؤولية في تحديد الأيام العالمية وتحديثها بشكل مستمر، بناء على مجالات اشتغالها واهتمامها من خلال قرارات تصدرها لتنصيب اليوم موعدا للاحتفال السنوي ويكون القرار مدعوما بدوافع الإعلان وأهدافه.

ضد التزمين ومع التثمين

أما الاتجاه الثاني فيقوم على مبدأ عدم المبالاة بهذه المواعيد الاحتفاليات العالمية، كقيد زمني لاستذكار مآثر الحدث، بالنظر الى أحقيتها في الاهتمام الدائم والمستمر، فتحديد يوم سنوي واحد للاحتفال بموضوعاتها اختزال لوزنها الاجتماعي، وتقليل من ضرورة الاشتغال والانشغال بها بشكل أكبر ومستمر، والموقف نابع من اعتقاد مفاده أن اليوم الاحتفالي سيجرد الموضوع من جوهره ويقلل من تقديره ويتجه به من جدية الطرح إلى تتفيهه، وكأنه تكميم لواقع مسكوت عنه؛ ولعل المخرج الإعلامي لهذا المأزق الاختزالي المتخاذل في حق قضايا إنسانية مهمة يكمن في مرافعة وسائل الاعلام المتخصصة، ومؤسسات المجتمع المدني لموضوعات بعينها ذات أهمية صحية اجتماعية، ثقافية أو سياسية أو حتى إنسانية… على مدار السنة بشكل عادل موضوعي ومتوازن يتم فيه نشر الوعي وترسيخ الأفكار الهامة في الأذهان، من خلال استعراض كل جوانب الموضوع والبحث عن حلول لمشاكله بأسلوب تثقيفي توعوي هادف.

دون أن ننكر أن الطرح الاحتفالي، لا يشكل مانعا في جعل اليوم العالمي محطة للتقييم والتقويم، وتاريخا لرد الاعتبار ومنطلقا للاستذكار، ومناقشة موضوعات الأيام العالمية ومعالجة قضاياها وتقييم واقعها، مادامت تستحق أن تكون معلما تأريخيا لتقديم حصيلة الواقع وتطلعات المستقبل، كيوم المعلم ويوم الأم والصحافة وهلم جرا.

عن admin1

شاهد أيضاً

سراج الدين يكتب|مُنخفض القطارة

تايم نيوز أوروبا بالعربي|شوقي سراج الدين  اعتقد ان كل ما تم كتابته عن هذا المشروع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *