الكاتبة سماح مبارك

لعنة اسمها الضمان الاجتماعي | بالألوان

كتبت | سماح مبارك

هل تستغرب من العنوان عزيزي القارئ؟ لا تتعجب، فحكاية الضمان الاجتماعي أوالإعانات الحكومية التي تقدم للعوائل محدودة الدخل وأطفالهم في الدول الأوربية هي لعنة أصابت البعض، وكانت سببا رئيسياً لمشاكل اجتماعيه وأسرية خطيرة بين المهاجرين من ذوي الدخل المحدود.

يُعرف الضمان الاجتماعي أو المساعدات المالية على أنها مبالغ شهرية او أسبوعية يستحقها كل من: الأطفال، المتقاعدين وكبار السن، ذوي الاحتياجات الخاصة، الشباب الباحث عن عمل، والأسر ذات الدخل المحدود وغيرهم من الفئات المستحقة.  لقد استُحدث هذا النوع من الضمان الاجتماعي بعد الخسائر المُروعة التي خرجت منها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أرادت ان تقدم لمواطنيها أكبر قدر من الحماية والأمان، والذي يشمل بالطبع الأمان المادي وتوفير الحد الأدنى من أساسيات الحياة للأفراد فيها، ويكفي أن تكون مقيماً بصورة قانونية داخل البلد كي تُعتبرُ من المستحقين له.

إن هذه المساعدات المادية والعينية (متضمنة تلك التي تقدم للعوائل التي لديها أطفال أسبوعيا أو شهريا) ، تُسهل في الحد من بطالة الشباب وتساعدهم لإيجاد الوقت اللازم لتطوير مهاراتهم قبل الانخراط في سوق العمل، إذ ان هذه الفترة تعد مرحلة انتقالية من وضع لآخر، وبوابة إلى الحياة العملية، كما أنها تُعد مرحلة إعداد ممتازة بالنسبة للمهاجرين الجدد كونها فترة كافية للتأقلم والإلمام بلغة البلد الجديد، لذلك يلجأ السواد الأعظم منهم الي الاعانات الاجتماعية لتثبيت أقدامهم دون عناء التفكير بمصدر دخل ثابت خلال هذه الفترة.

لكن ما يحدث في الحقيقة من قبل البعض وسأُخصص الحديث هنا عن المهاجرين من الفئات التي قَدمت عن طريق “طلبات اللجوء” في السنوات الأخيرة إلى أوروبا، هو أمر مؤسف للغاية حيث، ومع تدفق المهاجرين من الدول التي ينعدم فيها الضمان الاجتماعي أو يعتبر فيها ضماناً صورياً وحبر على ورق يضطر المستحق له الي إنهاء العشرات من المعاملات مع بعض الوساطات هنا وهناك للحصول عليه ، برزت إلى السطح مشاكل اجتماعيه خطيرة وخلافات جذرية داخل الأسر تسببت بدمارها وتفككها.

فرغم رمزية المبالغ المقدمة لهذه الأسر إلا أنها كانت سبباً قوياً لكثير من المشاكل الاجتماعية داخلها، حيث يحاول كل من الأبوين التحكم في كيفية صرف المعونة النقدية المقدمة والتي من المفترض انها وُجدت لتلبية احتياجات الأطفال من مأكل ومشرب وملبس أولاَ، ومن ثم ضمان الحد الأدنى من المعيشة المحترمة للأبوين.

إن المشاكل الاجتماعية التي نتجت بسبب الاعتماد الكلي على نظام التكافل الاجتماعي، واستخدامه كوسيلة ضغط من أحد الطرفين على الآخر، ساهمت في تفاقم العنف الأسري والاستغلال المادي باسم الأطفال، فالأب يصرف الأموال في احتياجات أخرى غير احتياجات أفراد أسرته، والزوجة تأمل أن تكون المتحكمة في المال كونها الأكثر درايةً باحتياجات المنزل، ومن هنا يحدث الخلاف الذي يتفاقم مع الوقت ليصل إلى حد الطلاق وتشريد الأطفال ومن ثم تدخل مؤسسات حماية الطفل والرعاية الاجتماعية فيه.

في الحقيقة أن هذه المشاكل لم تقتصر على تشتيت الأسر فحسب، بل إن أنواع التحايل المختلفة من قبل الشعوب التي أدمنت “الفهلوة” على القانون شكلَت عبئاً على الدولة وعلى دافعي الضرائب الذين يساهمون في استمرار عجلة التكافل الاجتماعية كما ينبغي، حيث أن البعض قد استمرأ الوضع فانتشرت ظاهرة الاحتيال على القانون، وانطلاقاً من مقولة “البلاش كتر منه” يتعمد الكثيرون أن لا يبحثوا عن عمل، كي يستفيدوا ولأطول فترة ممكنة من تلك الاعانات.

  إن سيناريو رفض العمل القانوني خوفاً من انقطاع المعونة هو سيناريو متكرر في أوساط اللاجئين، على الرغم من كونه أمراً واجب الحدوث فور استقرار الفرد وظيفياً، ليترك خانته ليستفيد منها آخرون ممن يحتاجون إليها، بل ان البعض يسعى لاستخراج تقارير طبية بعدم القدرة البدنية أو النفسية على العمل وادعاء المرض مما يضمن استمرارية تدفق الأموال لحسابه البنكي.

 الجدير بالذكر أن أشكال التحايل على القانون لا تقتصر على ادعاء المرض بل هناك أيضاً: ادعاء انفصال الزوجين لضمان الحصول على منزلين مختلفين مدفوعي الإيجار بالكامل مع تقديم طلبات معونة منفصلة، والعمل دون إبلاغ دائرة الضرائب بذلك فيما يعرف بين المهاجرين باسم الشغل   )Black job) الأسود.

لا أستطيع أن ن أنكر أن بعض قوانين العمل في الدول الرأسمالية هي قوانين مجحفة جدا، ولكنه وفي المقابل هناك امتيازات عديدة يستفيد منها المهاجر فور انخراطه في سوق العمل، أولها وأهمها تحسين اللغة وعدم الإضرار بصورة المهاجر الذي يسعى لإيجاد وطن بديل يحقق فيه أحلامه التي عصت عليه في بلده الأم.

من المؤسف حقاً أن دور الجاليات المختلفة للمهاجرين في نشر الوعي بين افرادها عن ضرورة الاندماج وأهمية العمل القانوني بالنسبة لهم، هو دور ضعيف جداً أمام التيار الذي يشجع على التحايل على القانون بغرض الاستفادة من أيدي عاملة رخيصة، بالإضافة إلى تجاهل المشاكل الأسرية والتفكك الاجتماعي والتأثير السلبي على الأطفال الذي يسببه استغلال أحد الأبوين للإعانات الشهرية باسمهم. لقد أصبحت الحاجة إلى منظمات مدنية تطوعية من أبناء الجاليات لدعم المهاجرين الجدد ضرورة قصوى، نأمل أن ينتبه لها رؤساء الجاليات المنتخبة، لمساعدتهم وللحد من انخراطهم في العمل الغير قانوني وحمايتهم من لعنة الضمان الاجتماعي الذي إن أصابتهم ستفسد حياتهم بالتأكيد، وللحديث بقية.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

سراج الدين يكتب|مُنخفض القطارة

تايم نيوز أوروبا بالعربي|شوقي سراج الدين  اعتقد ان كل ما تم كتابته عن هذا المشروع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *