الحجاب والحُريات الشخصية : هل يختلط الزيت بالماء؟ بالألوان!

بقلم | سماح مبارك

تتجه أنظار العالم اليوم نحو إيران في ثورة أشعل فتيلها موت الشابة ” مهسا أميني ” بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق الدينية، التي تعتقل وتغرم كل من لا ترتدي الزي الشرعي من وجهة نظرهم. بوفاة مهسا عاد ملف حريات النساء في بلداننا للصعود للسطح بقوة وهو الأمر الذي يُعد الحديث فيه أمراً شائكاً للغاية غالباً ما ينتهي بما لا يُحمد عقباه.

لقد تحول الحجاب “من فرض” ديني كما فسره البعض، إلى أداة قمعية تستخدم لترهيب النساء وممارسة العنف ضدهن، لقد أصبح الجميع أوصياء على أجسادهن ومراقبين صارمين لما ترتديه أي امرأة تمر من أمامهم، بل وقد وصل التطرف إلى حد أن تستنجد إحداهن بأحد رجال الدين تشكو من أخيها الذي يأمرها بارتداء الحجاب داخل المنزل خوفا على نفسه من الفتنة! وقد كان رد “الشيخ” بأنه وإذا ما كان شعرها سيسبب لأخاها الضرر والفتنة فمن الأولى تغطيته طوال فترة مكوثها معه درءً للمفاسد!

هكذا وبكل بساطة يتوجه الخطاب الديني إلى النساء بتحميلهن عبئ تفكير أي رجل منحرف عوضاً عن ردع وزجر أولئك المهووسين بمراقبتهن، وحتى تحول الهوس بشعور النساء إلى حد ارتكاب الجرائم ضد كل من لا تخفيه قسراً، وأتذكر أنه ومنذ فترة انتشرت مقاطع في وسائل التواصل الاجتماعي لفتيات وسيدات يقمن بعمل المقالب في أخوتهن أو أزواجهن ويصارحونهم برغبتهن في خلع الحجاب، وكان رد الفعل الأول والمباشر من هؤلاء الرجال هو العنف الجسدي أو الشتم والتهديد الصريح والمباشر لهن إذا ما تجرأن على فعل ذلك.

يتحدث الجميع عن حق النساء في ارتداء الحجاب متى وكيف وأين ما رغبن ولكن هل يتحدث أحد عن النساء اللواتي اخترن وبكامل إرادتهن عدم ارتدائه؟ وكيف تُعامل المرأة التي قررت خلع الحجاب في مجتمعاتنا، وهل يُعتبر الحجاب فعلاً حرية شخصية كما يدعي البعض؟ في الحقيقة أن الجواب هو: لا، لقد تحول الحجاب إلى رمز لا يمكن التنازل عنه أو التفريط فيه، وهو أبعد ما يكون عن الحرية الشخصية، ولا يُهم كثيراً إن كن النساء يرتدينه لأسباب دينية أم لا، لأن الأسباب الأقوى هي أسباب إجتماعية ونفسية تخص المجتمعات المحافظة، فالأسرة التي لا ترتدي فيها الإناث الحجاب يُعتبر الذكور فيها غير مسيطرين عليهن وبمعنى آخر “ديوثين” تلك الكلمة اللي يُلوح بها كل من أراد فرض أفكاره ومعتقداته على الآخرين، لقد أصبحت هذه الكلمة مرادفاً للوقاحة وفرض السيطرة والتنمر على الآخر المختلف، وأبعد ما تكون عن معناها اللغوي والديني الصحيح وهو: القوّاد على أهله، أي الذي يرضى الفاحشة في أهله وشتان بين المعنيين.

تراجعت الأخلاق والقيم والمبادئ مقابل الشكل الخارجي للمرأة حيث وطبقاً للأفكار السطحية للمجتمع، يتم تحديد مستوى أخلاقها بما ترتديه وتحول مفهوم الحشمة المطاطي الذي يختلف تقييمه من شخص لآخر إلى قوانين تُسن وتُفرض على النساء تحديدا، وكل من تخالفه تعرض سمعتها وحياتها للخطر، تماماً كما حدث مع الضحية الإيرانية.

من المعتاد في بلاد الغرب أن ترى طفلات في أعمار صغيرة جدا يرتدين الحجاب وعندما تسأل الأهل عن سبب ذلك يكون الجواب بأنه تحفيز وترغيب وتحبيب للطفلة فيه، وأنها إذا لم تتعود عليه صغيرة فلن ترتديه عندما تكبر، في حين ان السبب الحقيقي هو أدلجة الأنثى ومنذ نعومة أظافرها على ضرورة اعتبار جسدها فتنة وشهوة وعورة تتعامل معه بعدم ارتياح وخوفٍ كبيرين، هكذا تكبر الأنثى وهي تحمل عبئ هذا الجسد وعبئ “نقصان عقل” الذكور الذين لا يشغلهم شاغل إلا هذه الأنثى وما ترتديه، ومن الجدير بالذكر ان المسلمون في أوربا والذي يفرض الكثيرين منهم الحجاب على الصغيرات لا يحركون ساكناً ولا يعترضون عندما تُعنف حتى القتل من تختار أن لا ترتديه، ولكنهم يلوحون بكرت “الإسلاموفوبيا” عندما يتعلق الأمر بمنع الحجاب في أماكن العمل وغيره وتخرج المظاهرات وتُعقد الاجتماعات للشجب والتنديد! إن حقوق الإنسان عند البعض جزئية وليست كلية وخصوصاً إذا ما تعارضت مع أفكارهم ومعتقداتهم أو تعلقت بحقوق النساء.

قد يُزعج هذا الحديث البعض ولكني أعلم تماماً إن الحجاب والحريات الشخصية ماء وزيت لا يمتزجان وأنها مُجرد مقولة تتردد على ألسنة البعض لنفي صفة التشدد عن أنفسهم، لذلك ستظل النساء تُحارب لأجل حرياتها، ولأجل سن القوانين التي تُنصفها وتعتبرها إنسان كامل الأهلية وشريك كامل للرجل على الأرض، وسيستمر نضالهن لأجل كل الحقوق المهضومة بنصوص تعتبرهن مواطنات من الدرجة الثانية في بلدانهن وأولها وأبسطها حقهن في اختيار ما يلبسن دون فرض وصايات من أحد.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

الإبادة الفكرية والثقافية

كتب | وائل أبو طالب إن ترسيخ وصناعة الكذب والمعلومات المغلوطة ولا سيما تلك التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *