الكاتبة سماح مبارك

مُهاجرات مع وقف التنفيذ | بالألوان

كتبت | سماح مبارك

تُعتبرُ الهجرة إلى بلدان الغرب الأوروبي والأمريكي، فرصة ذهبية و محطة عبور لتحقيق الأحلام لكثير من الشباب والشابات من سكان الدول النامية ومنها دولنا العربية، فالهجرة تعني تجربة جديدة ومغامرة فريدة يخوضها الإنسان إما برغبة منه لتحقيق أحلامه وطموحاته العلمية والمادية، أو قسراً بسبب ظروفٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ خانقة أجبرته على فراق موطنه الأم.

ولكن الهجرة ليست دائما بداية جيدة للجميع وخصوصا النساء، ولكي أكون أكثرَ دقةً ألأُمهات منهن، حيث تعتبرالهجرة النسائية الفردية للغرب قليلة جداً مقارنة بالهجرة الأسريه التي تتكون عادةً من زوجٍ وزوجة وأبناء مما قد يشكل عائقا في سرعة انخراط الأمهات في المجتمع الجديد بنفس السرعة التي ينخرط باقي أفراد أسرتها فيه.

وفي الحقيقة، تواجه شريحة كبيرة من  النساء العربيات المهاجرات للغرب النظرة النمطية لدور المرأة في المجتمع العربي والإسلامي المحصورة في دور الأم  المرافق للزوج والمربية للأطفال وفقط؛ دون النظر إلى إمكانياتها وقدراتها العلمية والعملية والتي بإمكانها تطويرها في مجتمعات تؤمن بقيمة الفرد ومساهمته في البناء المجتمعي بغض النظر عن جنسه؛ وغالبا ما تضطر النساء إلى تأجيل دراستهن أو انخراطهن في سوق العمل بسبب المسؤوليات المختلفة تجاه أفراد الأسرة ولصعوبة تنسيق الوقت  خصوصا إذا ما كان الزوج يعمل أويدرس لساعات طويلة.

وعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي بإمكان المرأة العربية استغلالها والاستفادة منها، إلا أن العائق الاجتماعي والثقافي يظل هو الحاجز الأكبر الذي يمنعها من التقدم نحو تطوير نفسها. ففي بعض الحالات، تجد النساء صعوبة كبيرة في تعلم لغة البلد الذي انتقلت للعيش فيه، وذلك لرفضها ترك أبنائها في حضانةٍ أو دار رعاية مؤقتة لاستغلال الوقت في دخول  دورات تعليم اللغة المجانية التي توفرها الدولة  للاجئين والمهاجرين الجدد، وذلك بسبب الأفكار المسبقة عن نظام الرعاية المدرسي والاجتماعي في الغرب والذي زَرع في قلوب وعقول النساء خوفاً كبيراً منه وساهم في صنع حاجزٍ نفسي كبيرٍ لديهن تجاهه وتسبب بانعدام ثقتهن بنوع الرعاية المقدمة للأطفال من الدولة.

لقد كان القاسم المشترك الذي لاحظته خلال عملي التطوعي  لسنواتٍ طويلة مع مجموعة من اللاجئات والمهاجرات من مختلف الدول العربية والإسلامية، أن النساء اللواتي يرفضن الانخراط في المجتمع الجديد تنعدم لديهن الثفة بأنفسهن كنساءٍ قادرات على التعلم وتنمية المهارات، كما أن معظمهن من خلفيات دينيةٍ واجتماعيةٍ متشابهة سيطرت فيها الهيمنة الذكورية عليهن واعتبرتهن الحلقة الأضعف في مجتمعات لم تؤمن بحرية المرأة في المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، كما أن الكثيرات منهن تعرضن أو لازلن يتعرضن للعنف المنزلي بمختلف أنواعه تحت مرأى ومسمع من أفراد الجالية التي ينتمون إليها دون ان يتدخل أحد؛ لأن أي مساعدة من أي طرف تعتبر تدخلاً سافراً في مشاكل أسرية بحتة حسب الموروثات الثقافية العقيمة التي جئن منها وكل من تحاول منهن التمرد والتحرر تعتبر في نظر مجتمعها المصغر في بلاد المهجر مثالا سيئاً لغيرها من النساء يتم تجنبها ومحاربتها مجتمعياَ.

إن الفكرة الشائعة عند معظم الناس أن السواد الأعظم من النساء العربيات الوافدات من  البلدان المحافظة تتغير أخلاقهن ويخلعن أزواجهن بمجرد هجرتهن إلى الغرب المنفتح صاحب القوانين “المُشجعة لتمرد النساء” فيكون هناك تآمر مبهم واتفاق صامت بين أفراد المجتمع ضدهن ورغبة عارمة في طمس أي تمرد بنشر الشائعات الملوثة لسمعتهن لضمان انصياع البقية للعُرف والتقليد، غاضين الطرف عن أن معظم المهاجرات في الحقيقة، يصبحن أكثر حفاظاً على الدين والعادات والتقاليد من أي وقت مضى خوفاً من طمس هويتهن وهوية أبنائهن وفك ارتباطهن بها، وأن الكثير من المعنفات العربيات يرفضن اللجوء للقانون وطلب المساعدة لحمايتهن من العنف الذكوري لاعتبار ذلك فضيحة في مجتمعات ذات خلفيات كتومة ومحافظة.

قليلاً ما تُذكر أولئك النساء ونادراً ما تُلفت إليهن الأنظار، ولا يتحدث أي أحد عن اندماجهن في المجتمع الجديد من عدمه عدا بعض النسويات والحقوقيات في منظمات المجتمع المدني واللاتي بفضل دعمهن لهذه الفئة من المعنفات “في صمت” انكشف الغطاء عن الكثير من القصص المخفية عن الجوانب السيئة لهجرة النساء من بلداننا العربية، والتي تذكرنا بأنه ومع كل قصص النجاح في الغرب التي تذهلنا بتميزها إلا أن هناك جانب مظلم لا يراه الكثيرون، وأن هناك مهاجرات غادرن الأوطان على أمل البدايات الأفضل والمستقبل الأكثر إشراقاً والحياة الكريمة، ليصدمن بأن الواقع مختلف، وأن الذكورية التي تسحق وجودهن في بلدانهن لم تختلف كثيراً خارجها إنها فقط تُمارس في الخفاء وعلى غفلة من القانون وأنهن مهاجرات ولكن، مع وقف التنفيذ!

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

الهجرة غير الشرعية | بدائل آمنة

وزيرة الهجرة تستعرض تقريرًا عن منجزات المركز المصري الألماني للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج السفيرة سها …

2 تعليقات

  1. فابيولا بدوي

    مقال مهم يوضح جزءا هاما من معاناة المرأة المغتربة … دام قلمك وتألقك

  2. بسم الله الرحمن الرحيم : مقالة واقعية و إجتماعية يجب أن تدرس فى الأماكن العلمية لجميع من تراودة نفسة و يفكر فى خوض تجربة الهجرة ( نساءاً و رجالاً ) والسفر إلى دول العالم المختلفة . كان شرف لي أن تقابلت و اشتغلت مع بعض من النساء العربيات ( المصريات ) المحترمات بالعمل الإجتماعى فى ( هولندا و ألمانيا ) حققوا نجاحات باهرة و حازوا على إحتراماً و تقديراً من مجتمعاتهن . حقاً أنها مقالة رائعة …. ” وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً ” لأمير الشعراء ” أحمد شوقي ” . شكراً للأستاذة القديرة : سماح مبارك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *