الكاتبة الصحفية فابيولا بدوي

مُسقبلنا الحائر بين رداءة الحاضر وما كان يمكن أن يكون

باريس | كتبت فابيولا بدوي

دائماً السؤال يعيد نفسه: لماذا الشعوب العربية لم تتمكن من اللحاق بركب الحضارة؟ حتى لا نغرق في الأسباب والتبريرات المعروف غالبيتها، حيث من سيجيب على الفور الحكام وأساليب الحكم فيما سيؤكد البعض على أنه الاستعمار أو من سيطرح تبنى نظرية المؤامرة كوجهة نظر. ببساطة حتي لا نسترسل فأن السؤال المطروح هنا ينحصر حول الفكر والحياة الاجتماعية تحديدا

ضمن أحد أهم الإجابات هنا هو ما كتبه د. نصر حامد أبو زيد، الباحث في التراث الإسلامي،  بأن الحاكمية في الفقة المتداول تمتد امتدادا عميقا في بنية الوعي الاجتماعي لشعوبنا. هذه الحاكمية التي تجتمع كلها في يد الذكر فيما يخص علاقته بالأنثى، وفي يد الأبُّ وعلاقته بالأبناء التي هي نفسها تختلف مابين الإبن الأكبر والأصغر

ويؤكد أبو زيد على امتداد الأمر لنجده حاضرا مؤسستنا الفكرية والعلمية، التي نجد لهذا الفكر ما يشبه الوصاية عليهما ( شؤون الفكر والإبداع والأدب والفن)

من جهتنا لا نستطيع أن ننفي أن بعض مجتمعاتنا قد شهدت منذ ما يقرب من القرن حراكا فكريا وأننا قد تتبعنا ما يشبه النهضة العَلمانية الليبرالية وحراكا أيضا فيما يخص حقوق المرأة وضرورة مشاركتها في بناء مجتمعاتها، إلا أنه كان دائما حراكا مبتورا لأنه ببساطة لم يكن متطورا.

حتى أنه مع الوقت بدا وكأنه نموذجا سطحيا أو شكليا للحداثة،  تمكن في فترة من مواجهة ظهور جماعة الاخوان المسلمين   وسرعان ما تقهقر الكثيرون لصالح الفكر والأبداع الذي يناصب الغرب العداء كنوع من مجاراة الموجة، بل والمزايدة عليها في بعض الأحيان، ليتمدد هذا الفكر نتيجة الانبطاح لغالبية من ادعوا انحيازهم لقيم الحداثة في بداياتهم.

، ليبدأ الفكر المدعوم حينها بقيم البترودولار في محاولة فرض نفسه وتكريس هذا العداء ليشمل حضارتنا القديمة ونمط حياتنا، فيما ظلت القلة القليلة من مفكرينا الذين نجوا من قبضة هذا التيار تحاول محاولات فردية غير قادرة على انتاج نمط قادر على مجرد مواكبة الحداثة ( وليس ما بعد الحداثة)

بديهي أن التفاصيل هي أكثر تعقيدا من هذا بكثير، وما ذكرناه ليس إلا لمحة حديثة تحتاج لدراسات وبحوث قادرة على رصد حالة الجمود الزمني للوعي العربي تحديدا

هذه الحالة التي وصلنا لها اليوم هي ما تجعل الخطاب الساعي لدولة الخلافة يلقى صدى لدى بعض الشباب الذي يراه يتماهى مع سطحية النماذج التي سيطرت على عقولنا والتي تعتمد على المظهر دون أي جوهر سواء أكان نموذجا دينيا أو علمانيا أو فكريا ساعيا نحو الحداثة. في النهاية لا يسعنا إلا استدعاء مصطلح د. برهان غليون (المفهوم الذي اتبعته النخب العربية يمكن أن نطلق عليه ” الحداثة الرثة” أو “حثالة الحداثة” ونحن نتفق معه تماما فنخبنا لم ينتجوا لنا سوى حداثة مبتورة خالية من أي قيم حقيقية للحرية الفردية أو المواطنة أو العلم او القانون

من عمق هذه الاخفاقات تسلل وهيمن خطاب لا يمتلك أي رؤية حداثية أو متطورة بل يعتمد كلية على روايات الماضي يلهب بها الحماس ويداعب من خلالها أحلام المحبطين من دون أن يقدم أي مقومات يمكن البناء أو التعويل عليها، لكنها تزايد فقط على اخفاقاتنا بتصدير المزيد من الاخفاق المشرعن بتفسيرات انتقائية لا طائل منها سوى نشر المزيد من التخلف وضرب قيم المواطنة، أما السواد الاعظم من مجتمعاتنا فيبدو أنه سيعيش لفترات طويلة يتحسر على ما كان يمكن أن يكون

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

الإبادة الفكرية والثقافية

كتب | وائل أبو طالب إن ترسيخ وصناعة الكذب والمعلومات المغلوطة ولا سيما تلك التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *