الكاتب الصحفي محمود الشربيني
الكاتب الصحفي محمود الشربيني

إنتحار صلاح جاهين | محمود الشربيني 

بقلم : محمود الشربيني

(لهذا المقال قصة : نشر صديقي وزميلي أسامه الرحيمي بوستًا عن عمنا صلاح جاهين في ذكراه ،أغراني بالرد عليه في تعليق، لكن التعليق طال حتي تجاوز الأربعمائة كلمة، فقررت نشره على فيس بوك مدعمًا بالصور، لكني بعد دقائق قدرت أن النشر الصحفي سيكون له وقع آخر، وهكذا قمت بحذف البوست ودفعت به إلى مواقع أثيرة عندي، مشفوعة بصور لعمنا جاهين من تصويري).
–  لي مع عمنا صلاح جاهين قصة..محزنه طبعًا، كنت وقتها

 19 ابريل 1986 الشاعر والفنان صلاح جاهين بعدسة الصحفي محمود الشربيني
الشاعر والفنان صلاح جاهين بعدسة الصحفي محمود الشربيني في 19 ابريل عام 1986

متدربًا في مجلة صباح الخير في الفترة مابين عامي 84- 87 وإن استمرت بعد ذلك، رغم أنني لم أكمل العمل بها، ولم أعين في المجله (شأني شأن محمود الكردوسي..فيما صمد زميلنا جميل كراس صمودًا بطوليًا، فقد استحق التعيين بعد خروجنا فعليًا من المجلة بنحو 10سنوات!) بعكس زملائنا الذين كان لهم حظوة أخري، آباؤهم صحفيون وأقاربهم إداريون بالمؤسسة! ماجعل ابواب المؤسسة (روزا اليوسف)مفتوحة لهم!

كنت “بعافر” وبحفر في الصخر من أجل فرصة، وذات يوم اتصلت بالتليفون الأرضي – من كشك بالشارع كان مقامًا أمام المؤسسة – بالكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي باعتباره – والعم الجميل صلاح حافظ – من أقطاب روزا الذين حققوا نجاحات هائلة في روزا..واتصلت كذلك بعمنا صلاح جاهين. الأستاذ الشرقاوي شكاني للأستاذ لويس جريس الذي انّبَّني على اتصالي بالأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي لإجراء حوار معه، لم أتفق عليه مع أحد من مسئولى  المجلة، كما أضاف قائلًا: أنه من كتاب المؤسسة ويمكنه الكتابة أنى شاء.
– كنت شديد الحرج لأنني استخدمت اسم صباح الخير لأجري الحوار مع الشرقاوي وجاهين، للنشر ليس في مجلتنا وإنما  في صحف عربية كنت بدأت العمل بها (الخليج الإماراتية – أحمد الجمال / الأنباء الكويتية – جميل الباجوري) ،وفقًا لقاعدة الأستاذ لويس جريس؛ “اصرف على الصحافة تصرف عليك”!

صورة لصلاح جاهين بعدسة الصحفي محمود الشربيني
صورة لصلاح جاهين بعدسة الصحفي محمود الشربيني

ضيق الشرقاوي قابله ترحيب عم صلاح جاهين..(هو كدة كدة عنده ضعف تجاه صباح الخير، وكمان الولاد الجداد اللي بيشقوا طريقهم زيي) التقاني في بيته، في غرفة فارغة من الأثاث إلا من مكتب ومكتبة وكرسيين، وبدا لافتًا وضع سلة القمامه الصغيرة على الحائط المجاور له.

كان يرتدي الروب الأزرق الكاروهات، ولكنه لم يبتسم، بدأ حوارنا عاديا..وأعترف أنني ذهبت إليه غير مسلح،  كما هي عادتي سابقًا ولاحقًا.

فلم يكن الحوار من علامات حياتي المهنية، فيما بعد أدركت مالذي فوَّته، كان عم صلاح حزينًا وشاحبًا وبدينًا وبطيء الحركة وفقد الرغبه في الضحك والابتسام.
بعد يومين ذهبت إلى المجلة، وكان الحوار مع جاهين قد نشر في جريدة ثالثة هي الرأي العام الكويتية (كانت مملوكة للعميد عبد العزيز المساعيد – والمكتب يديره المرحوم سعيد مصطفي، وهكذا شاء الله لى أن يكون هذا هو حواره الأخير، وأن أكون أنا صاحب آخر حوار معه) علمت أن العم صلاح جاهين مات والدنيا مقلوبة والمجلة بقيادة الاستاذ لويس مجتمعه لاصدار عدد تذكاري عن مؤسسها صلاح جاهين، واقترحت أن أكتب للمجلة موضوعًا من قلب جنازة العم صلاح.

وافق الأستاذ لويس بعد فترة، ولكن كان الوقت قد فات، لأنني لم أتمكن من اللحاق بالجنازة، فقررت أن أحصل على شهادات ممن دعوا العم صلاح وشاركوا في الجنازة.

وتحدثت مع أصدقاء للعم صلاح ومنهم الفنان هاني شنودة الذي قال لى جملة صادمة! كتبت الموضوع ودفعت به إلى الاستاذ لويس لكنه لم ينشر! استغربت..فما يقوله هاني شنودة كان لابد من الناحية الصحفية ينشر على الغلاف!
رفض الاستاذ لويس جريس رئيس التحرير  نشر الموضوع، لأن هاني شنودة قال بما يشبه الثقه: صلاح ماماتش..صلاح انتحر! – سألته: كيف يا أستاذ هاني؟
قال: تناول كمية أدوية لعلاج الاكتئاب، لكنها نحرته..أودت بحياته!

كان هذا كافيًا ليرفض الاستاذ لويس أن يغلق الناس صفحة عمنا جاهين على هذه النهاية الصادمة: صلاح جاهين مات منتحرا! فالرجل ملأ الدنيا كلها غناء وشعرًا ونثرًا وفنًا وعرائس وسياسة وصحافة وكاريكاتور.

هو صاحب ملايين الشعب تدق الكعب تقول كلنا جاهزين، هو صاحب الليلة الكبيرة أروع أوبريت عرائس قدم حتي اليوم، هو صاحب أشهر أغاني ثورة يوليو، هو الذي قال في عبد الناصر مالم يقله شاعر، وكتب أروع اغاني تمجده وتمجد الثورة ومنها صورة، وبالاحضان ويا أهلًا بالمعارك.

وهو نفسه انكسرت كل احلامه في 67، وبعدها دخل في مرحلة اكتئاب، ثم وهو ينزف كتب لسعاد حسني خللي بالك من زوزو، وألف لها شعر وأشهر أغانيها “بمبى”.

وهو الذي أعلن بعد ذلك أنه استيقظ على وهم بعد النكسة، وأيد التطبيع ومعاهدة السلام مع اسرائيل، ولذلك فإن حزب التجمع برئاسة خالد محيي الدين عضو مجلس الثورة نعاه بطريقة غريبة جدا: “ينعي حزب التجمع الكاتب والفنان صلاح جاهين 25 ديسمبر 1930- 5 يونيو 1967، رغم ان صلاح جاهين رحل في 21 ابريل 1986 ، أي أن التجمع أسقط من فترة حياته هذه السنوات التي أنقلب فيها على ثورة يوليو ودافع عن أنور السادات وسياساته.

السلام لروحك ياعمنا الجميل،  ونهرنا الذي ننهل منه شعراء وكتابًا ومبدعين حتى الآن.
– السلام لروح أحد أعظم من أنجبته مصر.
لترقد في سلام وخلود.

عن زوايا الأخبار

شاهد أيضاً

الإفلاس الإبداعي للإعلانات التجارية في اختزال الشعور بالسعادة بالرقص

بقلم | عنتر المصيلحي تعتبر الإعلانات واحدة من أهم سائل التسويق التى يعتمد عليها وتستخدمها …

2 تعليقات

  1. سقطة من سقطات حزب التجمع ان تسقط فترة “عودة الوعي ” للشعب المصري بعد الهزيمة المذلة في 1967 ، فترة ان افاق المصريون على كذبة كبيييييرة سموها ثورة 1952 حيث عشنا في كذبة كبرى لم تنته الا في عصر السادات

  2. رحم الله صلاح جاهين ورحم أيامه التي عشناها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *