ماما دهب

دهب | صقفة كبيرة لماما

تايم نيوز أوروبا بالعربي | كتب – عباس الصهبي

صحيح «ست» بمائة رجل! خطفت بتلقائيتها البسيطة، والمفيدة جداً؛ الكثير من الأضواء ، وبالذات في السنوات الأخيرة؛ بتفوقها وتألقها المستمرين والحقيقيين على كثير من الشخصيات «الكارتونية» السطحية، والمفتعلة، بل والتافهة في أحيان غير قليلة، والتي أصبحت تمتليء بها «السوشيال ميديا»عموماً، وبالذات في هذا العصر ! ‏إنها «دهب»، اسم على مسمى حقيقي، ويعني باللهجة المصرية الذهب؛ وبالتحديد اسمها الحقيقي: «دهب غريب».. وحكايتها،  تجعل من صاحبتها «شخصية»

تستحق أن يُقدَّر وزنها فعلاً بالذهب! ‏

‏حكاية  دهب‏

‏تخرجت «دهب» من كلية التجارة الخارجية، جامعة حلوان بمصر، وككل البنات في عمرها بذلك الوقت، اشتغلت في مجال العلاقات العامة، ثم في مجال التسويق، ولم تمض عليها فترة طويلة، في العمل التقليدي لخريجات الجامعات؛ حتى اكتشفت أنها تحتاج لعمل تكسب من ورائه أموالاً أكثر من أجل رعاية والدتها المريضة، وبكل ما تحتاجه من أطباء وأدوية، فضلاً عن مسئوليتها في رعاية أسرتها!

‏اتجه تفكيرها، وبجُرأة؛ للعمل المُستقل، ووجدت أن أفضل ما يمكنها فعله هو الوقوف على عربة تبيع ساندوتشات الكبدة، فهذا العمل كان هو الوحيد أمامها لتوفر الاحتياجات المادية المطلوبة منها. ‏وبثقتها الكاملة في نفسها نجحت في أن يكون لعربة الكبدة زبائنها من كل الأعمار، وخاصة من الشباب، وجاءت وقفتها بعربة الكبدة في حارة ص

السيسي يكرم ماما دهب

غيرة متفرعة من شارع شامبليون، بوسط البلد، في العاصمة المصرية القاهرة، وأمام إحدى المقاهي البلدي بها.

مع تزايد زبائنها،  من رواد المقهى والطريق العام، وتنافسهم للفوز بساندويتشاتها شهية المذاق، ومع حسها الإنساني المرهف؛ لم تلتفت فقط إلى مكاسبها المتزايدة، بقدر ما باتت تركز بالأكثر على مسئوليتها عن مُجتمعها الصغير، زبائن عربتها؛ فشعرت بأن واجبها لا يقتصر فقط على أن تمدهم بمأكولات جيدة المستوى، وفي غاية النظافة، وبأسعار تعتبر نسبياً رخيصة الثمن، وبما يتناسب مع المصروف اليومي لجيوب الشباب صغير السن، والذي بات مقبلاً عليها بشدة متزايدة، وإنما واجبها يمتد لماهو أكثر من ذلك بكثير وأهم من الكبدة، بل ومن الفلوس! ‏

‏نُصح البنات!

ومع أنها الآن في منتصف الأربعينات من العمر، إلا أنها ومنذ ما يقرب من عشرين عاماً مرت على وقوفها أمام عربة الكبدة شعرت وبمرور وقت قصير من بدايتها؛ بمسئوليتها الكبيرة جداً عن زبائنها، وقد تعرفت على أكثرهم، بل وأصبحت تعرف الكثيرين منهم وبالاسم، وأصبحوا هم بدورهم ينادونها «ماما» عندما لاحظوا اهتمامها الزائد بهم، أو «ماما دهب»، وبغير أي كلفة! ‏ومن واقع مسئوليتها عن الشباب، وبالذات البنات، راحت توجه للجميع نصائحها، خوفاً عليهم، خاصةً حين لاحظت أن هناك عدداً غير قليل بينهم من البنات رواد المقهى البلدي.

‏وفي أحد ڤيديوهاتها الكثيرة، والتي انتشرت بسرعة ، رصدت ” تايم نيوز أوربا بالعربي ” فى القاهرة  انها تخاطب البنات في المقهى البلدي، وتقول لهن ما معناه أن ما بينها وبينهن ليس مجرد أكل وشرب، ودفع الفلوس، وفقط، لا، وإنما ما بينها وبينهن بعض التوجيهات البسيطة والمهمة، وبطريقتها اللذيذة والمحببة راحت تخاطبهن، وكأنها تكلم كل واحدة منهن علي انفراد،بقولها: ‏- استمتعي بحياتك.. تنطقها بإنجليزية رصينة «إنچوي» injoy.. عيشي وقتك.. تنطقها أيضاً بإنجليزيتها خفيفة الظل: take your time.. لكن المهم ضحكتك صوتها لا يعلو.. سواء كنتِ هنا عند «مامي» – تقصد نفسها – أو كنتِ خارج هذا المكان.

‏ولا تكاد تنتهي من كلامها هذا، حتى تختبر مدى انتباه البنات في المقهى، وتتأكد من حسن استماعهن لكلامها، فتقول: ‏- حد فهم أي شيء من كلامي.. حد مستمتع بكلامي هذا الذي أقوله.. أسمعْ منكم «صقفة» كبيرة لماما! ‏وما أن تسمع صوت تصفيق حاد من رواد المقهى، البنات والصبيان، حتى تطمئن إلى أن الحاضرين تقبلوا كلامها، وأن رسالتها وصلت؛ فتواصل كلامها بنصائح أخرى!! ‏وبالفعل تواصل بقية قائمة توجيهاتها المفيدة للشباب، والتي ربما لا يجدون مثيلاً لها في بيوتهم. ‏

‏بركة إخلاصها مع.. والدتها!

لم تنس رعاية والدتها إطلاقاًحتى رحيلها، رحمها الله، عام 2019، وكان ذلك بعد معاناة شديدة مع المرض، ولكن لم تكد تمر غير شهور قليلة جداً على هذا الرحيل؛ حتى كانت قد حلَّت على «ماما دهب» بركة وفائها الشديد لأمها، وموقفها الإنساني الراقي النبيل في نصح الشباب، وبالذات البنات؛ فقد وقع الاختيار عليها ليكرمها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر الشباب، بدورته السابعة، في أغسطس/ آب، من نفس ذلك العام. ‏ومع فرحتها بالتكريم قالت: ‏- فتحت مشروعي الصغير هذا من أجل أن تعيش أمي مستورة مجبورة، وظللت لمدة عشرين سنة أذهب لعربة الكبدة من أجل أمي، وأعود منها إليها، وبعد تعب كبير انتقلت أمي إلى رحمة الله تعالى؛ وبعد وفاتها بثلاثة شهور بالضبط كرمني الرئيس. ‏وبسرعة، أضافت «ماما دهب»: ‏- التكريم ليس مجرد درع، و«صقفة» كبيرة، لا، ا

لتكريم هو أن ربنا «طبطب» بطريقته؛ لأكون أنا قوية، وصبورة على قضائه وقدره، سبحانه وتعالى. ‏

التحدي الأكبر..أمامها! ‏

‏غير أن البعض لم يعجبهم ما حققته «دهب» من توهج اسمها، وقوة انتشار ڤيديوهاتها التي تنصح بها البنات، والشباب بوجه عام، وبالذات بعد أن ذاع اسمها كثيراً، وأخذ قطاع كبير من المصريين يتساءلون عن تلك المرأة التي اهتم الرئيس بتكريمها؛ ففوجئت بمن يهاجمونها على الفيس، ويتهمونها بأن وعظها ونصحها للشباب فيه الكثير من المبالغة، وبالذات بعد أن انتشر لها منشور، قالت فيه: ‏- مع كامل احترامي لكل عيالي (تقصد الشباب الذين تعاملوا معها)، أنا صحيح ليس عندي «دليڤري»، ولا عندي «كاتشب»، ولا عندي حتى «طحينة»، ولكن أنا عندي: قلبي، وحضني مثل حضن أمكم التي تعبت فيكم؛ ستبعدون عني؟ أم ستأتون تفرَّحوا بكم قلب «ماما دهب»؟! ‏وما زالت تعمل، وتؤدي رسالتها السامية، لا تهاب التحدي، بل تقوم برسالتها، وبإصرار متزايد؛ فتطعم الشباب وتنصحهم في لحظة واحدة، وهم يلتهمون، وبشهية مفتوحة؛ أحلى «ساندويتشات» القيم النبيلة! ‏

شاهد من هي ماما دهب

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

أطفال المُهاجرين ومُشكلة الهوية

بقلم | سهير الدفراوي ليست مبالغة لو قلنا إن هناك شعبًا عربيًا تعداده عشرات الملايين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

EgyptAlgeriaTurkeySaudi ArabiaUnited Arabic EmiratesIraqLibyaMoroccoPalestineTunisia