سندان الإسكافي

أقصر طرق نجاح | العمل في مهنة.. تتقنها بجد!

تايم نيوز أوروبا بالعربي: كتب – عباس الصهبي

 تضاعفت شكاوى الناس في مُجتمعات الغرب الأوروبي وخاصة فى هولندا، خلال السنوات الأخيرة؛ من تنامي ظاهرة التطفل وتزايد الذين يعملون في مهن لا يجيدونها ، سواء بسبب ضغوط الظروف المادية، والرغبة في الكسب السريع، أو بسبب الرغبة في الشهرة السريعة من خلال الالتحاق بمهن ليست في مجال تخصصهم التعليمي أصلاَ، أو لم يتدربوا عليها من قبل، أو حتى لم يسبق لهم أنهم زاولوها!

يقول المثل المصري: « أعطي العيش لخبازه، ولو يأكل نصفه!»، وهو ما يعني ضرورة أن يعمل كل واحد منا في مجال العمل الذي هو متخصص فقط فيه، ويعرف أسرار إتقانه له تماماً، فنعطي «العيش»، أي بالمصري: «الخبز»؛ للذي يستطيع فعلاً أن يقوم يعجن الدقيق/ الطحين، وإدخاله الفرن لتسويته على النار جيداً، فيكون المنتج النهائي خبزاً متميز الجودة، يقبل الناس عليه، ويلتهمونه بشهية مفتوحة، ويكسب الخباز المتقن لعمله مكسبه المادي: المال؛ ومكسبه المعنوي: تقدير الناس له، ولعمله، ولسمعته الطيبة، فيعودون إليه من جديد مرة أخرى، ومرات، وبكل ما يعود عليه من ذلك من مكاسب حلال، فيحصد فوق كل ذلك البركة في الرزق ! ‏

 الإتقان.. سر التقدم المهني! ‏ ‏

ولا يقتصر هذا المثل، المهم رغم بساطته، على المصريين وحدهم؛ ففي أوروبا تتعدد الأمثلة حول نفس المعنى، وبكل اللغات تقريباً، وهو شيء يدل وبحد ذاته؛ على أهمية جوهر المعنى من وراء هذا المثل، وضرورة الالتزام بقيمة عدم العمل إلا في المجال – «وفقط» – الذي يتقنه الواحد منا، مهما كانت الإغراءات أو التحديات. ‏ففي هولندا، وعلى سبيل المثال، يقول المثل: ‏!« Schoemaker, blijf bij je leest» ‏ومعناه: «أيها الإسكافي، إبقَ مع سندانك»، وبالطبع معروف أن السندان هو قطعة الحديد الموضوعة أمام «الإسكافي» التقليدي ليضع عليها الحذاء الذي يصلحه، لكي يتمكن من الطرق عليه لتثبيت بعض المسامير فيه أو ما شابه ذلك. ‏والمقصود أنها دعوة لكل صاحب عمل لكي يعمل فقط في مجاله الذي يتقنه. ‏أما الإنجليز، فيقول مثلهم، وبالمقابل: «you can be jak of all trads, but ‏ ! « the master of none ‏والمقصود هو: أنك تستطيع أن تكون رافعاً (أو مجرد شغَّال بسيط) في كل أنواع التجارة، ولكنك لن تكون أبداً سيداً ومتميزاً في أي شيء منها! ‏وهو ما يعني أن الإنسان لا يمكنه على الإطلاق أن يتقدم في أي عمل يتطور معه مستقبله للأفضل، إلا إذا أتقنه ليصبح من نجوم ومشاهير من يعملون في مجال هذا العمل. ‏

 لكي يفعل الإنسان ما يقوله! ‏‏

وفي فرنسا يقول المثل عندهم: ‏Promettre plus de beurre que» pain! ‏أي:«يعد بالكثير، ولا يحقق إلا القليل»! ‏ حيث يصف المثل حال من يعمل ولا يتقن عمله في مجالٍ يبدو عليه أنه يشتغل فيه أمام الناس؛ بأنه يعد الناس بالكثير، ولكن ما يتحقق من كلامه ليس إلا قدراً قليلاً؛ لأنه أصلاً لا يتقن إلا جزءاً بسيطاً من عمله، فيضطر لأن يقول إنه سيفعل كذا وكذا، لكن مايتحقق من كلامه يكون أقل مما وعد به، لأنه سيكون على قدر الجزء القليل الذي يتقنه فقط، بالفعل؛ في مجال عمله، ولا يستطيع أن يفعل ما هو أكثر؛ فيصبح مثل من نقول عنه: كثير الكلام قليل الفعل، أو «فلان ليس على قدر كلامه»، وهو ما يقلل كثيراً من قيمته، ومصداقيته، وثقته بنفسه، وبمرور وقت قصير أمام الناس الذين يشكلون الهيئة الاجتماعية من حوله! ‏

حب العمل+إجادته= الإتقان! ‏

‏أما الأسبان، فيأتون ومن الآخر، بالحكمة في كيفية إتقان العمل؛ بهدف التحريض والدعوة لإتقان العمل، بأن الطريق لتحقيق ذلك الإتقان لا يكون ومن البداية إلا بحب هذا النوع من العمل، والقدرة على التفاني في إنجازه، فيقول مثلهم: ‏Cuando el amour y la habilidaol» trabajan juntos, espera una obra maestra». ‏أي: عندما يعمل الحب والقدرة معاً، فانتظر عملاً رائعاً. ‏ووجود الكثير من الأمثلة، وبكل لغات العالم تقريباً، ومنذ قرون طويلة؛ إنما يعني أن المسألة ليست وجهة نظر، أو مجرد رأي كل واحد منا حر فيه؛ بل يعني أن الاختيار الحر لكل واحد منا للعمل يجب أن يقتصر فقط على المجال الذي يتقنه، ويعرف أسراره جيداً، ويحب مزاولته؛ بكل إتقان.

ولا يتبقى من إتقاننا – بدورنا – لحسن التوجه لحكمة «إتقان العمل»، «أو عدم العمل إلا في المجال الذي نتقنه فعلاً»؛ إلا فقط الإشارة لطرافة الروح المصرية بحكمتها العريقة، في المثل المصري المذكور في البداية: «إعطي العيش لخبازه ولو يأكل نصفه»، ونقصد هنا جزئية «ولو يأكل نصفه»، فهي تشير إلى إمكانية أن نترك للخباز نصف الخبز لأن ذلك أفضل،وبكثير؛ من أن يضيع علينا خبزنا كله إذا أعطيناه لخباز، معدوم الضمير، لا يتقن عمله!!

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

تذكروا أن يران غير عربية

كتبت | بلقيس حسن ليس دفاعا عن إيران فأنا اختلف معها في كثير من المواقف، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *