وسائل الإعلام وأجهزة الإستخبارات
وسائل الإعلام وأجهزة الإستخبارات

“جيمس بوند” في بلاط صاحبة الجلالة

كتب – أحمد يدك | القاهرة:

سريةٌ وغموض، وحذر لا يمنع الأقدار، لكن، يستشرفها؛ سمات هي أقرب ما تكون إلى عالم الظل ورجاله، الذين يناورون للظفر بالمعلومات، في مغامرات تحفها المخاطر من كل اتجاه، وتحُدها من جميع النواحي مختلف التهديدات وأنواعها؛ وذلك سعيًا لبلوغ أهدافهم.

صورة لوسيلة إعلامية
صورة لوسيلة إعلامية

عالم ظل رجاله في قلب دائرة الضوء وفي مركز الرؤية وبؤرتها؛ وما بين ظل وضوء يرزح خداعًا بصريًا تلتبس معه الرؤية لأبعاد الظل والضوء، لتبدو الصورة في النهاية وقد ارتسم عليها مشهدًا يحوي خلطًا بين كلا البُعدين.

الخبر“..إبن غير شرعي لـ”سِفاح” المصادر!

تمتلئ المكتبة البحثية بالعديد من الأطروحات التي تتناول أوجه الشبه بين أساليب العمل الخاصة بوسائل الإعلام والصحافة مع أساليب الدوائر الأمنية والإستخباراتية، وذلك على اعتبار أن هناك قاسمًا مشتركًا يجمع بين كلاهما، وهو “جمع المعلومات وتقصي الأخبار”؛ فيما أنه من النادر ما تم الحديث عن الإختلافات التي تُفرق بينهما.

وربما أجمعت كل النظريات التي قدمت تأصيلًا لمسألة جمع المعلومات تحت المظلة الخاصة بالعمل الصحافي مقابل المظلة الخاصة بالعمل الإستخباراتي على أن جميع الفروق الكامنة بين كلا الجانبين ترتكز بالأساس على هدف كل جهة من وراء المعلومة؛ ففي الوقت الذي يتم جمع المعلومات للصحافة من أجل النشر، تهدف عملية جمع المعلومات للغرض الإستخباراتي إلى مساعدة دوائر الحكم في اتخاذ القرارات تماشيًا مع المصلحة الوطنية للدولة.

مشهد تمثيلي لعنصر استخباراتي
مشهد تمثيلي لعنصر استخباراتي

ومن هنا بات تصنيف مصادر المعلومات يقوم على اعتبارين، أولهما مصادر المعلومات المفتوحة، وهي المصادر التي تستقي منها الصحافة المعلومات والبيانات الإخبارية، ويُعنى بها مصادر المعلومات المُتاحة أمام الجميع مثل الوزارات والهيئات الحكومية والمؤسسات الخاصة وغيرها، وتندرج تحتها أيضًا منصات التواصل الإجتماعي، وهي بيئة غنية بالعلومات والبيانات والأخبار؛ وثانيًا مصادر المعلومات السرية المتعلقة بالأنشطة الاستخباراتية.

وخلال العقدين الماضيين ومع نشوب أولى معارك الحروب الناعمة من الجيل الرابع للحروب بالإقليم، واحتدام الصراع بين آليات الحرب الإعلامية على جبهات الحرب غير النمطية، بات جليًا مدى الخلط الحاصل في عمليات المعالجة الخبرية في أداء وسائل الإعلام والصحافة، من خلال رفع غطاء السرية عن بعض المعلومات وتمريرها عبر القنوات الإخبارية بغرض إحداث تأثير معين في شرائح الجمهور، الأمر الذي أصبح معه “الخبر” أو”الإنفراد الصحفي” في كثير من الأحيان إبنًا غير شرعيًا نتاج عملية “سِفاح”  بين مصادر المعلومات، ليعبر ذلك في نهاية الأمر عن علاقة مُحرمة بين وسائل الإعلام وأجهزة الإستخبارات.

“بي بي سي”..وحدة استخبارات صاحبة الجلالة!

هيئة الإذاعة البريطانية BBC
هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي

ظهرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” كوكالة استخبارات خلال سنوات الحرب العالمية الثانية بعد إنشاء مقر الاتصالات الحكومية البريطانية GCHQبغرض إجراء ما يُسمى بـ”استخبارات الإشارة” من خلال التقاط وفك تشفير عمليات إرسال العدو المشفرة في عام 1939، في الوقت نفسه تم إنشاء وحدة جديدة داخل “بي بي سي” بغرض اعتراض ومراقبة البث المفتوح للمحطات الإذاعية التابعة للدول المعادية وكذا للدول المحايدة والحليفة والإبلاغ عنه.

و كان الهدف من خدمة المراقبة في “بي بي سي” هو الاستماع إلى البث الإذاعي المفتوح وتسجيله ونسخه وترجمته، وبهذه الطريقة يتم إنتاج مواد استخباراتية مفتوحة المصدر.

مشهد تمثيلي لعنصر استخباراتي
مشهد تمثيلي لعنصر استخباراتي

في البداية  قامت دائرة الاستخبارات الخارجية في “بي بي سي” بتحليل المواد الإذاعية، ثم أصدرت استطلاع أسبوعي حول “الدعاية التي تبثها الدول المعادية والمحايدة والحليفة” في عام 1939، أيضًا وفي نفس العام بدأت “بي بي سي” في إنتاج تلخيص يومي عن العناصر المحررة التي تبثها محطات الراديو الأجنبية، وكان يتم تقديم هذه المعلومات إلى وزارة الحرب الاقتصادية ووزارة الخارجية ووزارة الإعلام في بريطانيا، فضلًا عن وكالة الإستخبارات البريطانية ووكالة الإستخبارات والأمن الداخلي، لذلك كان دور هيئة الإذاعة البريطانية مساويًا لدور ووظائف وكالات الإستخبارات.

من ناحيتها أدركت الاستخبارات البريطانية حينها حقيقة أن المواد التي قدمتها وحدة المراقبة داخل “بي بي سي” لم يكن من الممكن الحصول عليها بأي وسيلة أخرى، إذ تتطلب كمية البيانات التي يتم الإستماع إليها وتحليلها عدد هائل من الموظفين، الذين يستمعون إلى مليون و250 ألف كلمة يوميًا، بثلاثين لغة مختلفة، ثم يقومون بنسخها إلى اللغة الإنجليزية.

“الجزيرة القطرية”..نادي للتعري الإعلامي!

ربما راهن كثيرون على دور استثنائي مرتقب للكيان الإعلامي الناشئ في مشيخة قطر عام 1996، والذي تردد وقتها للمرة الأولى على مسامع الجمهور العربي باسم “قناة الجزيرة”، وذلك بعد الزيارة التاريخية التي أجراها رئيس إسرائيل الراحل شمعون بيريز إلى قطر، وافتتاح قناة الجزيرة على شرف زيارته للمشيخة، بعد أشهر من انقلاب أمير قطر السابق حمد آل ثاني على الأمير الوالد.

زيارة شمعون بيريز لمقر الجزيرة بالدوحة
زيارة شمعون بيريز لمقر الجزيرة بالدوحة

ويبدو أن حرارة الخليج قد منحت “الجزيرة” نضوجًا إعلاميًا مُبكرًا، بات لديها معه الإستعداد لممارسات الوطئ الأمني، وقدرة على إقامة علاقات مع دوائر الإستخبارات – هكذا ظن القطريون -، فأتي عام 2003 ليكشف عن إحدى حالات زواج القصر بين “الجزيرة” وأجهزة الأمن، خلال الغزو الأمريكي للعراق، بعد أن لعبت الجزيرة دورًا أقرب لأجهزة الإستخبارات منه للإعلام، بعد فبركتها خبر سقوط بغداد في يد القوات الأمريكية، الخبر الذي أدي انتشاره إلى فرار جنود وضباط الجيش العراقي من وحداتهم قبل السقوط الفعلي للبلاد في قبضة المحتل الأمريكي.

ولاحقًا كانت “الجزيرة” ملاذ كل مشاهدي فقرات التعري الإعلامي، التي تقوم فيه “الجزيرة” بتعرية الدول العربية وعرض سوءات أنظمتها السياسية وكشف عوراتها أمام الجماهير العربية.

وقد أدركت “الجزيرة” خلال رعايتها لفقرات التعري الإعلامي على شاشتها الحقيقة المتعلقة بإيلاء المشاهد العربي اهتمامًا بالغًا لمسألة “الأحجام”، فلم تبخل إدارة الشبكة القطرية على مشاهديها بإجراء عمليات النفخ لمشكلات الأوطان العربية وتضخيمها، هذا فضلًا عن عمليات الشفط للجوانب الإيجابية للحكومات العربية في تناولها الإعلامي، وذلك بغية إرضاء شبق المشاهد المتعطش لفقراتها المثيرة!

“دويتشة فيلة” الألمانية..محطة قرصنة إعلامية!

صورة لأحد مقرات دويتشة فيلة
أحد مقرات دويتشة فيلة

انتشر خلال معارك الحرب العالمية الثانية بين دول المحور والحلفاء شكل جديد للعمل الإذاعي سُمي حينها بـ”إذاعات القراصنة”، من خلال أن تقوم الدول المتحاربة بإنشاء وحدات بث إذاعي على متن سفن بحرية قد تكون سفن تجارية أو سفن للصيد أو حتى قطع حربية، ومن ثم يتم إرسال البث الإذاعي بلغة الدولة المُستهدفة بعد رسو هذه السفن على مقربة من حدودها البحرية، وذلك بغرض ممارسة أحد أشكال الحرب النفسية واستهداف الجانب المعنوي لشعوب هذه الدول، تارة بالترويج لقوة الخصم والتخويف من قدرته، وتارة أخرى بنشر الشائعات والأكاذيب عن حكومات هذه الدول، من أجل تأليب شعوبها عليها.

وبعد مرور عقود طويلة على انقضاء سنوات الحرب التي تمرست وقتها الآلة الدعائية الألمانية في هذا الشكل المبتكر من العمل الإذاعي، لم يتحاشي الألمان في الوقت الجاري مزاولة ذات النهج الدعائي النازي.

الدعاية النازية
الدعاية النازية

ولأن تبسيط الأشياء أبسط من تعقيدها، فقد اكتفي الألمان بمرحلة واحدة من تطور دعايتهم فقط عبر انتقالها من حيز الإذاعة إلى حيز التليفزيون، دون بذل أي مجهود يذكر لإدخال أي تغيير عليها، فتقوم حاليًا المحطات التليفزيونية الإقليمية المملوكة للحكومة الألمانية وعلى رأسها النسخة العربية من محطة “دويتشة فيلة”، برعاية شكل دعائي مشابه لدعاية الحرب “الجوبلزية” – جوزيف جوبلز وزير الدعاية في الحكومة النازية – ، عبر تقديم سيل من الفقرات المُخصصة لتخويف الحكومات العربية عبر ابتزازها بورقة الحريات باستضافة عشرات من الشواذ والمتحولين جنسيًا والملحدين، للتدليل من خلالهم على افتقار البيئة العربية لمبادئ قبول الآخر، فضلًا عن تخصيص مساحة كبيرة للمقارنة بين الواقع الأوروبي والعربي بغرض معايرة الحكومات العربية ومناكفتها.

ومؤخرًا خرجت الفضائية الألمانية بتقرير فيديو عرضت به صورة ميدانية حصرية لقاعدة عسكرية تابعة للجيش الإماراتي بإحدى الجزر التي أطلقت عليها “نائية”، في محاولة لشيطنة الإمارات بإظهارها وكأنها تريد ابتلاع المنطقة لصالحها.

مشهد تمثيلي لأحد عناصر الاستخبارات
مشهد تمثيلي لعناصر استخباراتية

وربما لم تتفادى “دويتشة فيلة” التي يغيب شعارها عن أي تغطية متعلقة بـ”إعلام الحرب” الوقوع في شرك الخلط بين مصادر المعلومات المفتوحة والسرية، دون تقديم أي مسوغ منطقي للمشاهد من أجل قبول هذا النوع من الطرح الإعلامي، بشكل يوحي وأن ملابسات حصولها على هذه الصورة الحصرية من هذا المكان النائي بمياه خليج عدن الذي يخرج بطبيعة الحال عن نطاق تغطيتها كانت أشبه بإحدى عمليات المهام الخاصة بواسطة رجال المستحيل.

إقرأ أيضًا للكاتب: بشكل استثنائي | السفارة السويدية بالقاهرة تحتفل بالعيد القومي للسويد

عن زوايا الأخبار

شاهد أيضاً

الاستثمار في المرأة لتسريع وتيرة التقدم

موقع الأمم المتحدة أصبح تحقيق المساواة القائمة على النوع الاجتماعي أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

EgyptAlgeriaTurkeySaudi ArabiaUnited Arabic EmiratesIraqLibyaMoroccoPalestineTunisia