التلوث الرقمي الدور العكسي لوسائل الإعلام

تايم نيوز أوروبا بالعربي | نسيمة طايلب – جامعة الشلف

أضحت مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، مفرغة للنفايات الرقمية لغوية كانت أو بصرية، فتصفحها على مدار أسبوع واحد كاف لمعاينة حجم التدني الذي تعرفه بعض المنشورات أيا كان موضوعها و مغزاها، فبعضها إهانة لغوية لأصول الكتابة السوية، و بعضها انتهاك لحدود الآخر، و بعضها تعد صارخ للقيم الاجتماعية و الإنسانية…
كما أضحى الهزل أسلوبا للتداول و التناول، مهما بلغ الموضوع من جدية وأهمية، فحتى القضايا السيادية و الوطنية أصبحت على محك السخرية على سبيل الترفيه لا التوعية، دون الالتفات لما يمكن أن يسببه ذلك من ضرر على المستوى الجمعي أو الفردي.
أما الانتهاكات اللغوية فتكاد تكون مستساغة حد التقبل و حد الاستغراب في حال عدم وجودها، فكم من منشور كتب بحرف غربي و منطوق عربي و موضوع ضائع الهوية بين الاثنين، أما القيم فقد انحلت انحلالا غير مسبوق حتى أصبح يُستهجَن الملتزمون، و يشجع المنفلتون، بدأ بأبسط الموضوعات وصولا إلى أعقدها.
أما الحديث عن انتهاك خصوصية الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح لا حدث من كثرة تداول الظاهرة، فبمجرد أن تضع صورة شخصية لك أو لعائلتك يمكنك أن تقرأ عليها السلام، فستجدها دون شك في حساب مستخدم آخر على أنه صاحبها، أو تَجِدْك موضع سخرية في إحدى الصفحات، أو موضوعا للنقاش و التحليل دون إعلامك أو أدنى اعتبار لتوابع الفعل و ملحقاته.
لم يطل حديث التلوث الرقمي الكلمة و الصورة فحسب، بل امتد إلى تلوث المشاعر والأحاسيس، إذ نجد حَسدا رقميا و نَميمة فيسبوكية، و مَنـﴼ يُوتُوبيا، خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا التنوع الذي يفترض أن يكون رحمة، لكن التنقل بين التعليقات على منشور يدعو للتسامح الديني أو التنوع العرقي أو التعدد اللغوي يجعلك منبهرا بحجم الحقد الدفين لهذا الاختلاف، فإما أن تدخل في نقاش صراعي لا طائلة منه ولا مخرج أو تندمج في لولب صمت المقهور.
و قد منح سوء استخدام خاصية الانفتاح الفضائي لهذه المواقع، تأشيرة الخوض في كل المواضيع من كل الفئات دون تخصص أو وجه حق، ما أفرز ظواهر رقمية طفيلية على مجتمعاتنا العربية، تستدعي دق ناقوس الخطر، خاصة إن تعلق الأمر بالأبعاد القيمية للاستخدام، فلا الإبن تحت الرقابة الأبوية و لا الوالدان تحت الرقابة الذاتية، اختلال رهيب في الوظائف الاجتماعية و التركيبة البنيوية للفاعلين الاجتماعيين، و تهاوي غير مسبوق في بورصة القيم.
يستدعي هذا الوضع تفعيلا مستعجلا للاستخدام النشط لمواقع التواصل الاجتماعي عبر التموضع الفعلي للمرسل و المستقبل وتنشيط وسائل الحماية الذاتية، من خلال الوعي بالمخاطر أولا ثم المضي في التوعية تاليا، و قد يكون تبني أسلوب التربية الإعلامية الرقمية المخرج الأمثل لهذه الوقائع، مع ضرورة النظر في بعثها ضمن مختلف الفئات الاجتماعية و الأطوار التعليمية، خاصة مع صعوبة مقاطعة الاستخدام لتشبيك هذه المواقع مع مصالح إعلامية و اتصالية متعددة.

عن admin1

شاهد أيضاً

الإفلاس الإبداعي للإعلانات التجارية في اختزال الشعور بالسعادة بالرقص

بقلم | عنتر المصيلحي تعتبر الإعلانات واحدة من أهم سائل التسويق التى يعتمد عليها وتستخدمها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *