روح البحث العلمي…

تايم نيوز اوروبا بالعربي |نسيمة طايلب- جامعة الشلف|الجزائر.

و نحن نتصفح رفوف المكتبات الجامعية أو المستودعات الرقمية، نلمح للوهلة الأولى كما هائلا من الإنتاج العلمي و الفكري على اختلاف الدرجات والتخصصات، مقابل احتشام في جودة المخرجات وتناسخ موضوعاتها ومحتوياتها، فنتساءل ببراءة الملاحظ، بجدية الباحث وبتطلع المتأمل في مستقبل الأعمال و حدود جدواها، لِمَا أصبح البحث العلمي و الأكاديمي على ما هو عليه؟ لِمَا هذا التراجع الملحوظ في أصالة الأعمال و جديتها؟
في بحثنا عن إجابات شافية و وافية لتساؤلاتنا، وجدنا أنفسنا أمام ضرورة مراجعة مسار الباحث من طالب علم إلى مدرس للأجيال، منذ دخوله أسوار الجامعة، إلى اقتران اسمه الشخصي بصفته العلمية؛ و لعل الإجابات التي تبادرت إلى الأذهان محفوفة بالكثير من الأشواك الضارة التي تستدعي إستئصالها لضمان منتج علمي جيد، في مستوى التطلعات.
أولى هذه الصعوبات، مرتبط بإشكالية تمييع الشهادات و ما يرافقه من استخفاف و استهتار بموطن البحث العلمي، إذ لا يختلف اثنان أن العمل بنظام الدراسات العليا للجميع والنجاح حق و ليس امتياز لمن جد واجتهد، أدى إلى تراجع هيبة الجامعة و الأستاذ الجامعي و الشهادة الجامعية في فضاء البحث و سوق العمل، وأصبحت الدراسات والبحوث تنجز من أجل الحصول على درجة علمية و منصب عمل، عوض أن يكون المقصد مشروع باحث؛ هذا و يرتبط تمييع الشهادات بقائمة طويلة وعريضة من الأسباب السياسية والاجتماعية و الاقتصادية اللامدروسة، نظرا لغياب استراتيجيات الاستثمار في الموارد البشرية و قصور في مواءمة المخرجات الجامعية مع المتطلبات المجتمعية.
ذات الأمر ينطبق على المراحل المتقدمة من الدراسات الجامعية، إذ تعتري الأبحاث في مرحلة الدكتوراه و ما بعدها حمى الترقيات الأكاديمية و المهنية، فتجد أغلب المنتجات العلمية تصدر تحت طائلة التدرج وليس بشرف المكانة العلمية أو بغرض الإبداع العلمي و الإفادة المجتمعية.
و على النقيض، يواجه أصحاب الإبداعات العلمية و الباحثين عن التفرد، على قلتهم، عراقيل جمة، بدأ بالنقد السلبي الهدام، وصولا إلى البيروقراطية الإدارية التي تساهم بشكل أو بآخر في وأد مبادرات التغيير و التميُّز العلمي، ضف إلى ذلك نقص المرافقة البيداغوجية و الدعم المادي لمشاريع البحث و بقاؤها حبيسة رفوف الجامعات و مراكز الدراسات، إذ لا يُؤخَذ بها مأخذ جد وقت الأزمات، فلا هي مخرج للمشكلات اليومية ولا هي مدخل للإستراتيجيات التنموية.
ضف إلى ذلك أن الأبحاث العربية لا تزال تحت وطأة تحقير الذات والانبهار بالآخر، كما أنها حبيسة النظريات الغربية و أفكارها المتاحة خارج النسق، لذلك وجب التبصر في متطلبات استعادة روح البحث العلمي و تحريره من قيود الاستنساخ والاستهلاك التي لا تَنْفَع و لا يُنْتفع بها، استنادا إلى قيادة حكيمة ورشيدة لقاطرة البحث، بفكر عربي مستقل يُلائِم المتطلبات المحلية والإقليمية، مع مسايرة للمستجدات العالمية، دون المغالاة في محاباة الذات و عدم تقبل الآخر، فقد استجد مؤخرا ظاهرة رفض البعض لأي انتقاد يمس أعمالهم، و كأنها موجهة لشخصهم، رغم أن النقد الايجابي عملية صحية في البحث العلمي تبتغي إصلاح الأعطاب البحثية وتصويبها من أجل دراسة متكاملة.
كل ذلك، لن يتحقق إلا بأخلقة البحث العلمي و استعادة روحه الضائعة بين التمييع و التقليد، البيروقراطية وسباق الترقيات، لذا على كل طالب علم أن يدرك أن العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، لكن المواصلة في مسار البحث والتعليم العالي ليس قضاء محتوما، إنما هو اختيارا يتطلب الشغف بالبحث والتعلق برسالة نبيلة، تَتَرَفَع عن ما هو مادي نحو ما هو أخلاقي، لا تشوبها شوائب التردد في الإخلاص و المواصلة، و إن اعترضتها الحواجز. لأن الغرض الأول و الأخير من البحث العلمي هو المساهمة في عملية الترقية والتوعية والإصلاح المجتمعي، كل على مستواه وفي حدود الاستطاعة والإمكان. فبقدر النهل يكون الإشباع، وبقدر العزم تأتي العزائم.

 

عن admin1

شاهد أيضاً

سياحة صحراوية في الصالون الدولي للسياحة والأسفار قريبًا بالجزائر

خديجة.بلوزداد | الجزائر تقرر إقامة النسخة الثانية والعشرين من قبل محافظة مهرجان الصالون الدولي للسياحة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

EgyptAlgeriaTurkeySaudi ArabiaUnited Arabic EmiratesIraqLibyaMoroccoPalestineTunisia