حين يؤدي اللوم إلى نتائج عكسية: اللاجئون السوريون ومظالم المواطنين في لبنان والأردن

[حوار مع الباحثة والأكاديمية آن ماري بيلوني حول كتابها الصادر مؤخراً عن دار نشر جامعة كورنيل، ٢٠٢٠].

جدلية: ما الذي دفعك إلى تأليف هذا الكتاب؟

آن ماري بيلوني: حين فرّتْ أعداد هائلة من السوريين إلى البلدان المجاورة، واستقرت هناك منذ عام 2011، تساءلتُ: أي تأثير سيُحدثه هذا، وخاصة في الأردن ولبنان، البلدين اللذين فيهما اقتصاد ضعيف، وشح في الموارد، والقليل من المعونة الاجتماعية التي تقدمها الدولة، والعديد من الانقسامات الداخلية؟ ركز الإعلام والمؤسسات الإنسانية تقريباً بشكل كامل على السوريين أنفسهم، ولسبب جيد. لكنني تساءلتُ: أي تأثير أحدثته هذه الحقيقة الديموغرافية الجديدة، وما تزال تحدثه، في هذين البلدين اللذين يستقبلان اللاجئين؟ ويجب أن نشير هنا إلى أن الأردن ولبنان هما من البلدان الرئيسية المستقبلة للاجئين السوريين ويحتويان الآن على العدد الأكبر من اللاجئين في العالم. كيف سيتأقلم البلدان مع هذا الوضع؟  كيف ستتغير الدينامية السياسية، وفهم السياسة بالمعنى الواسع الذي يشمل الحياة الاجتماعية والاقتصادية؟ هل سيتبدل الإحساس بالهوية إزاء السكان الأجانب الجدد؟ كيف ستتفاعل السياسات النيوليبرالية لهذين البلدين مع مطالب جديدة بالسلع العامة والبنية التحتية؟ هل ستتمكن الحكومتان من تحويل اللوم الذي يقع عليهما من المعاناة الاقتصادية إلى طرف آخر؟ يمتلك البلدان تاريخاً طويلاً من استخدام المهاجرين والأقليات وانقسامات الهوية المحلية كأكباش فداء سياسية. ومنعت سياسة ”فرّق تسدْ“ المواطنين الذين لا يتفقون مع الحكومات من توحيد صفوفهم هناك.

جدلية: أية موضوعات خاصة، مسائل، وأدبيات يعالج كتابك؟

آن ماري بيلوني: اعتمدتُ على أدبيات اللوم والتحليل النفسي وعلم الاجتماع، وأدبيات الحركة الاجتماعية ودراسات اللاجئين كي أشرح التغيرات في البلدان المضيفة. وهناك كتاب لتشارلز تيلي غير معروف كثيراً عنوانه ”الثناء واللوم“، وهو يدرس اللوم.  إن اللوم هو سياسي بشكل مكثف واستُخدم غالباً لحرف الانتباه عن المشكلات الرئيسية أو لتبرئة النخب من المراقبة.  ويمكن أن يعني العجز عن تحديد اللوم أنه لا يوجد احتجاج مطلقاً، بما أنه لا يوجد أحد لاستهدافه للقيام بالتغيير. وفي الحالتين اللتين لدينا، لام السياسيون والإعلام اللاجئين السوريين على كل أنواع المشكلات، ومعظمها سابقة لتدفقهم المتزايد إلى البلدين. كانت هذه ممارسة منتظمة في لبنان والأردن، كما في بلدان كثيرة أخرى: فقد لامت النخب في الدولتين سابقاً الأجانب والفلسطينيين والإسلاميين والبعثيين والشيوعيين. ويحافظ نظاما البلدين على السلطة باستخدام الانقسامات والإلهاءات، بما فيه تغيير الحكومة. إن اللوم وإقالة رئيس الحكومة شائعان بشكل خاص في الأردن، كما حصل أثناء كل احتجاجات المعارضة الرئيسية في البلاد. إن تقديم كبش فداء أداة قوية، وهي أداة تنجح عادة. ما  رأيته في الأردن ولبنان هو أنه بينما اتهم الناس السوريين بأنهم يسببون المشاكل، إلا أنهم حمّلوا في الوقت نفسه الحكومة المسؤولية عن حل هذه المشاكل، ونقدوها حين لم تقدم حلاً. كان رد الفعل محدوداً، احتجاجات محلية في السنوات القليلة الأولى، طالبت الحكومة بالسكن والكهرباء والماء والرعاية الطبية الأفضل. ثم شاهدتُ أن دائرة الاحتجاجات المحدودة بدأت بالاتساع وتغيرت قضاياها: لم تعد تتمحور حول الافتقار إلى تقديم الخدمات المحلية فحسب بل تركز بشكل محدد الآن على الأنظمة التي تسبب عمليات النقص هذه.  وبدأت العلاقة والتوقعات بين المواطن والدولة بالتغير. وتحولت مظالم معينة إلى نقد منهجي، وانضمت مجموعات كان من غير المرجح أن تقف مع بعضها، فيما كانت الحركتان تكسبان قوة في البلدين. وحدث  تقريباً في جميع الاحتجاجات تجنب واضح للوم السوريين لأن هذا سيحرف الانتباه عن الهدف النهائي للدفع نحو التغيير في هذه المؤسسات.

كانت هذه نتيجة جديدة وغير مرجحة: بقيت الحركات الأكبر بصورة متزايدة مركزة على هدف صعب ومنهجي. سيكولوجياً، يتجنب الناس الاستنتاجات التي تدفعهم إلى الفعل أو التي تتضمن لوم الذات أو المسؤولية الذاتية.  إن اتهام نظامهم يعني أن الناس في النهاية كانوا مسؤولين عن تغييره، أما إلقاء اللوم على مجموعة أجنبية  فيبرئ المعنيين.

جدلية: كيف يرتبط هذا الكتاب أو يفترق عن كتبك السابقة؟

آن ماري بيلوني: تركز كتبي على الكيفية التي يعيش بها الناس، وكيف يتمكنون من كسب رزقهم، وكيف يفاوضون عالمهم لخلق الأمن لأنفسهم وعائلاتهم.  كما في هذا الكتاب، بحث كتابي السابق ”خصخصة الرفاه في الشرق الأوسط: جمعيات الأقارب للمساعدة المتبادلة في الأردن ولبنان (٢٠١٠) كيف أن الضمان الاجتماعي والقدرة على العيش باستقلال يتغيران بتغير الظروف الاقتصادية. يبدأ الكتابان بفرضية أن الخطاب والدينامية على المستوى السياسي الوطني هما نتاج تغيرات على مستوى القاعدة الشعبية، وكلاهما ينظر وراء القادة والمعارضات السياسية كي يرى ما يدعمها أو يعارضها.  وتستمد الحركات والأحزاب قوتها من المشاركين، وما يدفع الناس للانضمام هو أساسي لفهم التيارات السياسية الأكبر.

جدلية: من تأملين أن يقرأ هذا الكتاب، وأي نوع من التأثير تودين أن يحدثه؟

آن ماري بيلوني: سيشعر الجمهور العام والطلاب والأكاديميون بالراحة من قراءة هذا الكتاب. هناك رسالة رئيسية: لماذا ومتى يستطيع السياسيون النجاح في إبعاد اللوم عنهم وثيق الصلة اليوم بعدد من السياقات. نعرف أن بلداناً كثيرة استخدمت رهاب الأجانب أو اللوم ضد مجموعة لا قوة لها لحرف الانتباه والنقد عنها أو عن مشكلة الحوكمة.

 أود أن أرى المزيد من الأبحاث حول متى تنجح التكتيكات التقسيمية ومتى تفشل. نعرف أن الأشخاص الذين من المرجح أكثر أن يلوموا المهاجرين على مشكلاتهم هم الأقل احتكاكاً بهم. هذا صحيح في الدراسات التي أُجريت في أنحاء العالم. بالتالي، هل الذين يُخْدعون بالانقسامات، ويحولون، عن قصد، مجموعة ما إلى كبش فداء، هم الذين فعلاً يعانون؟ تظهر أبحاثي أن  ما حصل في هذه الحالة هو أن الذين يعانون من خسارة حقيقية أرادوا أن يحلوا مشاكلهم ولجأوا إلى الحكومة، مدركين أن لوم السوريين، الذين كانوا يعانون أيضاً، لا جدوى منه. إن نتيجة بحث كهذا يمكن أن تحدث تغييرات في ماهية الرسائل التي يوجهها الناشطون وكيفية توجيهها.

جدلية: ما المشاريع التي تعملين عليها الآن؟

آن ماري بيلوني: أستقصي دينامية تقديم الآخر ككبش فداء وحرف اللوم بشكل عام. جعلني هذا الكتاب أتعمق في بحث من يلوم الناس على مشاكلهم وأهمية هذا لحركات الاحتجاج.  هناك الكثير من اللوم في عالمنا اليوم، وهو لوم غير مرتبط بالأسباب الحقيقية كما تُظهر المعطيات. لكن الناس ما يزالون يصدقون ذلك اللوم ويفضلون عدم مراجعة أنفسهم.  حين يحصل النقيض، يبدأ الناس بتولي المسؤولية.

جدلية: كيف يمكن أن يُستخدم هذا الكتاب في التعليم؟ هل يغطي مظاهر أخرى لأزمة اللاجئين السوريين؟

آن ماري بيلوني:  هيّأتُ فصول هذا الكتاب كي تكون مفيدة في الصف. لدي فصل حول تصوّرات المضيفين، الواقعية والمتخيلة، وكيف يشعر المواطنون المضيفون حيال السوريين. يوضح كيف تحول الخطاب بسرعة ضد اللاجئين، عازياً لهم مشكلات سابقة ومستمرة. ستستفيدُ من هذا الكتاب أيضاً صفوف تدرس تأثيرات الهجرة، وردود الفعل العنيفة ضد المهجرين قسراً، واستخدام المهاجرين من قبل السياسيين، ودينامية اللاجئ- المضيف. يدرس فصل آخر كيف أثر اللاجئون السوريون على الأردن ولبنان اقتصادياً وعلى خدماتهما العامة. ونويتُ أن يُستخدم هذا الفصل في صفوف دراسات اللاجئ وصفوف حول البلدان النامية، والتي يستضيف معظمها لاجئين. أناقش المعطيات المتوفرة حول الأعمال والتربية وتأثيرات البنية التحتية. إن معطياتنا عن هذه المواضيع ناقصة، لكن اتجاه تأثير تدفقات عالية للاجئين واضح في بلدان ذات قدرات حكومية ضئيلة أو بلدان ذات توجه نيوليبرالي. ويؤثر التغير الديموغرافي في المشاكل القائمة لهذه الدول. سيساعد هذا الكتاب أيضاً سياسات المنظمات غير الحكومية. أبين كيف أن بعض الممارسات الحميدة أثارت الكراهية إزاء السوريين، على سبيل المثال حين قدمت منظمة غير حكومية أجهزة لتنقية المياه للسوريين في بلدة لبنانية، لكنها لم تقدمها للبنانيين يعيشون في جوارهم. كانوا يشربون مثلهم من المياه المتسخة نفسها، وفقراء. كان من المدهش في هذه الأوضاع أنه تم توجيه اللوم الأكبر إلى الحكومة اللبنانية، حيث تستطيع بسهولة أن تتخيل المزيد من الاستياء من السوريين أو جماعة المنظمات غير الحكومية.

إن هذا الكتاب ممتاز للتدريس حول الحركات الاجتماعية، بما أنه يبين تصاعد أطر الاحتجاج والأنواع المختلفة للاحتجاج الذي ينجم، بالإضافة إلى دور اللوم. كما يلقي الضوء على التوجه من احتجاج فردي شبه تلقائي إلى تنظيم متزايد وحركات أكبر وأكثر توحداً. ومع التوجه إلى حركات احتجاج متزايدة في الشرق الأوسط والدور الجوهري للسلع الضرورية في إثارة هذه الاحتجاجات، سيكون هذا الكتاب مفيداً في دروس حول الشرق الأوسط.  ويقدم الفصل الأول ملخصاً قصيراً لتاريخيْ الأردن ولبنان، ويركز على ما تقدمه الدولة وتاريخ الاحتجاج.  وتشرح الفصول التالية أهمية الموارد الأساسية والخدمات في توقعات المواطنين من دولهم، وعواقب انتهاك ذلك العقد الاجتماعي. ومن المثير أن الكتاب يميط اللثام أيضاً عن فكرة عامة حول الدولة المثالية، والتي يريد المواطنون أن تقدمها دولتهم وكيف يجب أن تتصرف. لا تأتي هذه الفكرة من ما قدمته الدولة في الماضي بقدر ما تأتي من المقارنة مع أوربا الغربية، وهذا في حد ذاته موضوع يحتاج إلى المزيد من الدراسة: ما الذي يريده الناس من دولهم، وكيف يتغير هذا بحسب البلد والمنطقة والطبقة السياسية والتربية؟

مقتطفات من مقدمة الكتاب

كان سند الذي يبلغ الرابعة من العمر يقف منتظراً في قاعة المحكمة في مدينة المفرق في شمال الأردن مع أخته التي في السابعة عشرة من عمرها وأمهما.  تم إخلاء الأرملة أم سند وأسرتها الصغيرة من منزلهم، نتيجة مباشرة لتدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن.  كانت أم سند تدفع 75 ديناراً أردنياً في الشهر مقابل شقتهم، ما يعادل 199 دولاراً أميركياً، في السنوات التسع السابقة. زاد صاحب الشقة الإيجار ما يقارب 70٪ ولن تبقي لديها هذه التكلفة الجديدة إلا 10 دراهم (14 دولاراً أميركياً) كي تعيش عليها. هُددت مئات العائلات بشكل مشابه بالإخلاء في أنحاء المفرق، مع تزايد إيجارهم بنسبة 300٪. كان السوريون يتدفقون عبر الحدود باحثين عن مأوى في ذلك الوقت في 2013، وكان هذا وضعاً استغله أصحاب العمارات كي يزيدوا الإيجار. وقد ألب الموقف الابن على الأب، والأخ على الأخ، وفي النهاية، الأردني على السوري.

انضم أبو محمد إلى الاحتجاجات المتزايدة ضد الظلم. فقد ازداد إيجاره ثلاثة أضعاف بسبب السوريين. ولأنه لم يتمكن من الدفع اشترى خيمة وشارك مع عشرين عائلة في واحدة من أول عشرة احتجاجات. وأنشأ الأردنيون الذين تشردوا في وطنهم بسبب اللاجئين القادمين من سوريا مخيمهم الخاص الذي حمل اسم (مخيم النازحين الأردنيين رقم ١) في المفرق. حملت خيامهم شعار مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وكانت المفارقة هي أنها اشتُريت من اللاجئين السوريين. طالبت العائلات التي أُخليت من شققها بتدخل السلطات لتساعدها في حل مشكلة الإيجار العالي. ودعا مسؤولو الحكومة المحليون والوطنيون المحتجين إلى التفرق فرد المحتجون عليهم مهددين بالتصعيد وتحويل الاحتجاج المفتوح إلى إضراب عن الطعام إذا لم تُحل مشكلتهم. قال أحد المنظِّمين: ”نحن المحتجين ردينا عليهم أنه لا توجد طريقة لإيقاف الاحتجاج إلا إذا لبوا مطالبنا. إذا تدخلت الشرطة سنعلن الإضراب عن الطعام، بدون طعام وماء، وستصبح مدينة المفرق مدينة خيام“. لم يكن هؤلاء المحتجون الأردنيون تاريخياً جزءاً من المعارضة للحكومة. على العكس، كان يشكلون قاعدة دعم للنظام. لكنهم كانوا بحاجة لحل: صرّحوا أن وضعهم لا يمكن أن يستمر كما هو.

على بعد نصف ساعة من المفرق جلست حمدة مساعد في خيمتها التي صنعتها بنفسها، البالية والتي خربها الزمن. كانت الجدة البالغة 70عاماً من العمر تراقب شاحنات الإغاثة والمنظمات الخيرية تمر قرب خيمتها، التي تأوي عشرة أفراد من أسرتها، كي تقدم المساعدة في الجانب الآخر من الطريق في الزعتري، مخيم اللاجئين السوريين الذي بُني حديثاً. حسدت المواطنة الأردنية حمدة اللاجئين السوريين على الخيام الجميلة الجديدة وقالت لائمة: ”ألا يدركون أننا بحاجة للمساعدة أيضاً؟“

إن قصص معاناة المواطنين، والتي افتُرض أن تدفق اللاجئين السوريين يقف وراءها، والإهمال الملحوظ للاحتياجات المحلية لصالح اللاجئين، سببت استياء كبيراً. في هذا الوقت، وبعد مرور عامين على الحرب السورية لم يكن هناك حب مفقود للاجئين السوريين. أصبحت شرائح واسعة من المجتمع في لبنان والأردن معادية علناً للسوريين بعد ترحيبهم الأولي بهم. كان التواجد السوري في هذين البلدين كبيراً جداً.  فقد تجاوزت أعداد اللاجئين السوريين أي رقم شوهد في الغرب. وشكل السوريون ما يعادل 10٪ من السكان في الأردن من 2014 إلى 2018، وفي لبنان كانت الأرقام أعلى بكثير: شكل السوريون في لبنان على الأقل ربع السكان. إن التأثير الديموغرافي للسوريين اكتسح المؤسسات والخدمات والبنية التحتية. وتساءل أشخاص من جميع الطبقات الاجتماعية ماذا تعني الهوية الوطنية. ”ما الذي يعنيه أن تكون أردنياً حين يكون 20٪ من بلادك سورياً أو عراقياً؟“. وكمجموعة أقلية غير محبوبة شعبياً، شكل اللاجئون السوريون على ما يبدو أكباش الفداء. ذلك أن أكباش الفداء ينقلون المسؤولية عن المظالم من الدولة إلى أقلية غير محبوبة أو جماعة مهاجرين. وحاولت هاتان الدولتان عند كل منعطف لوم السوريين على المشاكل الوطنية، بصرف النظر عن طول المدة التي سبقت بها وصول السوريين. وفي النمط العادي لتقديم الآخر ككبش فداء، حولت نخب الدولة انتباهها وعداءها إلى السوريين: كان بوسع الدولة أن تحل مشكلة الكهرباء في لبنان، لكن السوريين كانوا يأخذون خمس ساعات من الطاقة يومياً من المنازل. وعلى نحو مشابه، أعلنت السلطات في الأردن أن السوريين جففوا موارد المياه الوطنية واستهلكوا أكثر من المواطنين، الذين يحافظون على هذا المورد. لكن خطابات تحويل الآخر إلى كبش فداء لم تثمر كما تفعل هذه التكتيكات عادة، ذلك أنها لم تحرف الانتباه عن الدولة إلى غضب من أقلية أو مجموعة خارجية.

تأثرت الاحتياجات اليومية الأساسية بضغط السوريين الديمغرافي، مما غيّر أو هدد حياة المواطنين. واقتضت هذه الاحتياجات حلولاً، وليس مجرد لوم جماعة غير قادرة على حل مشاكلها الخاصة. يميّز هذا المظهر الأردن ولبنان عن حالات أخرى من محاولات تحويل الآخر إلى كبش فداء.  كان المواطنون (وما يزالون) غاضبين من السوريين لكن هذا الغضب لا يفعل أي شيء لتوفير الماء وإزالة النفايات أو توفير الكهرباء. وفي الحقيقة إن السكن والماء والنفايات (والتي كانت مشكلات وطنية لفترة طويلة) هي بعض المسائل الأساسية التي حثت على الاحتجاجات بين الأردنيين واللبنانيين ضد حكوماتهم. وفي احتجاجات الخيام، كالمذكورة أعلاه، لام المحتجون الأردنيون اللاجئين السوريين على مشكلتهم، وأراد كثيرون مغادرة السوريين لكن مطالبهم ركزت على معالجة ملموسة من الدولة. وأعلنت لافتات كبيرة في احتجاجات الخيام وطنية السكان وتوسلت من أجل السكن من الله والملك.  وأثناء الفترة نفسها في لبنان، تظاهر اللبنانيون وأحرقوا الإطارات وقطعوا الطرقات احتجاجاً على الافتقار الطويل للكهرباء في بعلبك، المنطقة التي تحتوي على أكبر عدد من اللاجئين السوريين.  وكان هناك إجماع شعبي بأن اللاجئين السوريين مسؤولون عن تجريد المواطنين من الكهرباء. واتهم المسؤولون اللاجئين بسرقة الكهرباء وبالتالي بشل قدرة الشبكة الكهربائية بسبب أعدادهم الكبيرة.  لكن بدلاً من احتجاجات موجهة ضد اللاجئين السوريين انتقد اللبنانيون واستهدفوا وزارة الطاقة وأذرع أخرى للدولة، مطالبين بالمزيد من الكهرباء.

أجهد وصول اللاجئين السوريين الموارد المحلية، مما استدعى الانتباه إلى مشاكل متوطنة أدت إلى احتجاجات ضد الدولتين من أجل معالجة الأمور. وكان كثير من تلك المشاكل متولداً عن الاحتياجات الأساسية اليومية وبعضها جوهري للبقاء. ورد المواطنون بلوم مزدوج: لاموا السوريين واعتبروهم السبب في هذه المشاكل لكنهم حملوا الدولتين مسؤولية حلها.  وركز الاحتجاج الناشط، باستثناءات قليلة، على مؤسسات الدولة المحلية والوطنية وطالب بحلول.  وحين نفد الماء من بلدة أردنية، لامت السوريين قائلة إنهم يستولون على مياه الأردن الوطنية النادرة.  وكانت منظمات المساعدة الدولية تقدم المياه للاجئين السوريين، وأحياناً تأخذ من الزاد المحلي.  لم يبد أن أحداً فكر بالاحتياجات الأردنية. وكانت أولويات المياه لدى المواطنين واضحة بشدة، وواجه المحتجون الأردنيون حكومتهم، وعلى نحو مفاجئ تماماً، الملك نفسه، بالبنادق. وقال أحد المحتجين الرئيسيين: ”ليس لدي ما أخسره. إذا لم أشرب الماء سأموت“.

قال لي أردني من أصل فلسطيني: ”إنه خطأ السوريين. لكن الحكومة يجب أن تفعل شيئاً حيال الأمر“.  ولم تفعل أموال المساعدات التي تم تلقيها لصالح السوريين شيئاً سوى تصعيد النقد.  وكما قال أحد اللبنانيين: ”قبل السوريين قال الناس إن المشكلة لبنانية. ثم لام السياسيون السوريين على كل النفايات واستخدام البنية التحتية. لكن السياسيين كانوا يحصلون على تلك الأموال من أجل هذه المشاكل. وهكذا انقلب الناس ضد السياسيين. تقولون إنكم تحصلون على كل هذه النقود ولا شيء يحصل“.  وقال لبناني آخر:” يوجد فقط كثير من السوريين بالنسبة لعدد السكان في لبنان.  يجب أن نكون إنسانيين معهم، لكن الدولة والأمم المتحدة لا تساعدان بما يكفي“.  وقال عضو مجلس مدينة أردني: ”لدينا احتجاجات خيام هنا (في شمال الأردن حيث يوجد عدد كبير من اللاجئين) لكن لم يعد لدينا الكثير منها. طالبوا بالمساعدة من الحكومة، وهذا حقهم (كأردنيين) في الدستور، كحق العمل والسكن والرعاية الصحية“. وأضاف موظف لبناني في اليونسيف: ”يدركون (اللبنانيون) في دواخلهم أن حكومتهم فاشلة. أحياناً يلومون السوريين لكنهم يدركون أكثر فأكثر أن السياسيين يستخدمون هذا اللوم من أجل فائدتهم الخاصة“.

تاريخياً، خدمت عملية تحويل الآخر إلى كبش فداء هدفها، أي تحويل الغضب بعيداً عن الدولة. لكن هذا التكتيك فشل في الأردن ولبنان حيث يوجد لاجئون سوريون. إن الفرق هنا هو أن المظالم تتعلق بموارد جوهرية للحياة. في حالات كهذه، يمكن أن تفوق الحاجة إلى الحلول التحويل إلى كبش فداء. إن أكباش الفداء نادراً ما يكونون في موقع كي يقدموا الماء والكهرباء أو السكن، ولا يستطيعون إعادة هيكلة نظام نفايات وطني.  في هذه الحالات، وضعوا احتياجاتهم الرئيسية فوق الاحتياجات السيكولوجية للوم جماعة مذنبة مفترضة. إن استخدام الدولتين لتكتيك تحويل الآخر إلى كبش فداء لإعفاء نفسها من الفحص والمسؤولية عن مشكلات بنيوية عميقة كان له نتائج عكسية كما يمكن القول. واتفق المواطنون في هذين البلدين المضيفين للاجئين أنه يجب لوم السوريين، لكنهم حملوا الدولتين مسؤولية تخفيف مظالمهم.

[نشرت في جدلية وترجمها أسامة إسبر]

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

مصر وقعت في مصيدة الديون | النائب محمود سامي مُقرر مساعد لجنة الاستثمار في الحوار الوطني المصري

حاوره: تامر هنداوي سيطرت الأزمة الاقتصادية على المشهد في مصر، وتتردد أنباء عن احتمال اتخاذ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *