حكمة الشيخ سيد…

عصام متولي| مصر

-كان العمل مع أم كلثوم حلم كل المؤلفين والملحنين ويمثل ذروة النجاح بالنسبة لهم، فمن يعمل مع أم كلثوم تُفتح له أبواب النجاح والشهرة، ويعد من الكبار بالوسط الفني، وبعدها يتضاعف أجره مع المطربين الآخرين.
ففي أحد الأيام رن جرس الهاتف عند شيخ الملحنين سيد مكاوي، كانت أم كلثوم على الجانب الآخر تحادثه لأول مرة وتطلب منه تلحين أغنيتها الشهيرة (أنساك) وبالفعل قام مكاوي بتلحين المقدمة الموسيقية والتي أعجبت أم كلثوم كثيراً، واتفقا على إكمال الأغنية معاً، إلا أن الشيخ سيد مكاوي سأل سؤالاً منطقياً ومشروعاً حول أجره في تلحين الأغنية، فردت عليه أم كلثوم بسؤال.. ألا يكفيك فخراً أن تعمل مع أم كلثوم؟ فأجابها مكاوي بإجابة غير متوقعة على الإطلاق، إجابة أنهت مشروع الأغنية قبل أن يبدأ.

-أرادت أم كلثوم الخروج من عباءة الملحنين القدامى مثل السنباطي وزكريا أحمد عندما قررت أن تتعاون مع فوزي لتلحين أغنية (حب إيه) فسايرها فوزي الذي كان قد أسس شركة مصرفون للاسطوانات إلى أن حضرت أم كلثوم إحدى الجلسات التي كانت تجمعهما مع عدد من الملحنين والمطربين ونجوم المجتمع ففاجئها فوزي هو الآخر باقتراح غريب.

-كان لسيد مكاوي فلسفته الخاصة، فقد كان يحب الحياة فغنى لها (يا حلاوة الدنيا) وكان يحياها ببساطة (خلوها حلوة يا جدعان تلاقوها جنة رضوان) ولا يحمل لها هماً، إلا أنه كان أيضاً يحب عمله جداً وقد جاءت إجابته على أم كلثوم متسقة مع فلسفته في الحياة، فعندما قالت له ألا يكفيك فخراً أن تعمل مع أم كلثوم، فقال هذا الفخر لا يكفي لمحاسبة البقال تحت منزلي، وكان يتحدث فقط عن قوت يومه ولا يفكر في نقود يدخرها أو أملاك يقتنيها، وكان الرد كفيلاً بأن ينهي أي حوار مع كوكب الشرق فأنهت اللقاء وكانت قطيعة فنية لم تتصل ثانية إلا بعدها بسنوات.

  • -كان بليغ حمدي شاباً عشرينياً ظهرت عليه علامات النبوغ مبكراً، يشق طريقه إلى القمة بشكل سريع، فألحانه مختلفة وتسبق عصرها، وكان بليغ ملازماً لمثله الأعلى الموسيقار محمد فوزي وفي أحد الجلسات كان بليغ حاضراً وأم كلثوم أيضاً حينها اقترح فوزي أن يقوم بليغ بتلحين مطلع أغنية حب إيه أمام الحضور وبينهم أم كلثوم، وبالفعل قام بليغ بتلحين مطلع الأغنية (حب إيه اللي انت جاي تقول عليه انت عارف قبله معنى الحب إيه) وكان جالساً على الأرض فافترشت أم كلثوم الأرض بجواره مستمتعة باللحن، وهنا ابتسم محمد فوزي الذي فوت على نفسه فرصة عظيمة مثل التعاون مع كوكب الشرق وأعطاها لها الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين بعد، فكانت أولى أغاني بليغ لأم كلثوم والتي لاقت نجاحاً كبيراً، ثم صار تعاوناً فنياً لعشر أغانٍ أخرى جمعتهما بعد ذلك من ضمنها أغنية (أنساك) التي كانت معروضة على الشيخ سيد مكاوي من قبل.

    -بعد مرور عشر سنوات تقريباً قررت أم كلثوم أن تعيد الكرة مع سيد مكاوي وتتناسى ما حدث بينهما، وكان هو أيضاً يبوح لأصدقائه المقربين بأمنيته الكبيرة أن يلحن لكوكب الشرق، وبالفعل استدعت أم كلثوم سيد مكاوي للقائها في فيلتها في الزمالك وقد حدث وأن تأخر مكاوي عن موعده وهو الشيء الذي كانت تكرهه أم كلثوم فعاتبته على تأخره فكان رده لا يخلو من خفة ظل بددت ما علق بملامح أم كلثوم من ضيق (معلش يا ست أصلي جايلك سائق)..
    فسألته أم كلثوم أما آن الأوان يا سيد أن نجتمع في عمل فرد قائلاً (آن الأوان يا ست بس بشرط) فردت الست في ضيق مفتعل (انت هتتشرط؟ .. اتفضل) فقال مكاوي (أنا معايا كلمات لرامي وملحنها ممكن تسمعيها) فرحبت أم كلثوم بالشرط وأحبت اللحن وكان أول لقاء فني يجمعها وكان الأخير أيضاً.
    وكان مكاوي من ظرفاء عصره ويشتهر بخفة الظل وسرعة البديهة، ففي أحد المرات وبعد انتهائهما من البروفة قامت أم كلثوم بتأبط ذراعه لتوصيله للخارج وفجأة أحس سيد مكاوي بحركة مضطربة لأم كلثوم وكادت أن تسقط فقال لها ماذا حدث (قالت أصل الكهرباء قطعت) فقام مكاوي بحركة تلقائية خفيفة الظل وتأبط هو ذراعها قائلاً (طيب تعالي انتي بقى).
    وبعد نجاح يا مسهرني بدأ مكاوي في التحضير لأغنية أخرى لأم كلثوم وبالفعل عقدا بعض الجلسات معاً يحضرا لأغنية (أوقاتي بتحلو) إلا أن القدر لم يمهلهما وتوفيت أم كلثوم وكانت الأغنية الجميلة من نصيب الفنانة (وردة الجزائرية).
    وكان درس الشيخ سيد مكاوي الرائع ألا تتنازل في عملك الذي تثق أنك بارع فيه، ولا تعمل مع أحد لا يعطيك التقدير المناسب، ولا يضعك في المكانة اللائقة.

عن admin1

شاهد أيضاً

آلة الكمان فى برنامج البحر واحد والكنوز ألوان فى صوت العرب

القاهرة | خاص غدا الاثنين في الساعة العاشرة والنصف صباحًا على راديو صوت العرب في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *