كتب | رئيس تحرير تايم نيوز – سعيد السبكي
منذ البداية لم نكن نعول كثيرا ولا قليلا على زيارة بايدن للشرق الأوسط، فهى كما توقعت لم تقدم جديدا ولا قديما للفلسطينيين، برغم كل المزايدات فيما يختص بتأثير الجناح اليسارى في حزب بايدن الديمقراطى، وتعاطف عدد من رموز اليسار مع المُعاناة الفلسطينية، لكنه لم يؤثر جديا على سياسة بايدن، الذى يواجه اخفاقات داخلية وخارجية دولية، مصاحبة لحرب أوكرانيا.
كما أن بايدن يخشى الهزيمة المرجحة لحزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس أوائل شهر نوفمبر المُقبل، ويريد كسب تأييد إسرائيل واللوبي الصهيوني في بلاده، وعلى أمل تحسين موقفه السياسي، واسترداد قسط من شعبيته المتدهورة، بسبب: ( التضخم -غلاء الأسعار غير المسبوق من أربعين سنة – ركود الاقتصاد وانكماش النمو، – أحوال التيه و”خرف” الشيخوخة التي تُطارده – العجز الخطير في الطاقة بعد ان أوقفت روسيا ضخ الغاز لأوروبا ) ،.
نأتي للجانب السيكواوجي وهو استمرار تنمر سابقه ترامب ووسائل الاعلام الأمركية شبه يومياً على سقطاته وزلات لسانه، وتحت كل هذا الركام السياسي والشخصي، فلا يبدو أن الشأن الفلسطيني من هموم الرئيس العجوز، إلا من بوابة خدمة إسرائيل، بإبراء ذمتها من القتل المتعمد للصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة ذات الجنسية الأمريكية، على طريقة ما جرى في قصة المقذوف (الرصاصة) القاتل، الذي رفضت السلطة الفلسطينية تسليمه لإسرائيل، ثم استجابت أخيرا لطلب أمريكي بتسليم المقذوف، واتاحته لفحص من خبراء إسرائيليين فى مبنى السفارة الأمريكية، وإصدار تقرير أمريكي ركيك عن الفحص والتحقيق في حادث الاغتيال الدامي، يقول أن واشنطن لا تسعى لإدانة أحد، وكأن شيرين هي التي قتلت نفسها، أو كأن قاتلها القناص الإسرائيلى فوق أي مساءلة أو مُحاكمة أو إدانة بمقتضى التقرير الأمريكى.
أتابع منذ إعلان التحضير لزيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لمنطقة الشرق الأوسط كيف سيتصرف حال عقده مباحثات مع قادة دول عربية أصبحوا على يقظة سياسية أكثر من ذى قبل، ولو حتى نسبياً، فهم لا يريدوا تكرار تلقى صفعة أخرى مثلما حدث ابان زيارة الرئيس الجمهوري السابق ” ترامب ” للسعودية وما فعله من بلطجة سياسية، اعتمد فيها على عُنصر المفاجئة، ووصلت به حدة التبجح آنذاك بالتعدى بالألفاظ المهينة على المملكة العربية السعودية، بعد ان وقع مع الملك سلمان عدة اتفاقيات تعاون عسكري ودفاعي وتجاري بقيمة 460 مليار دولار منها 110 مليارات قيمة صفقات عسكرية، بالإضافة إلى صفقات تعاون دفاعي بقيمة 350 مليارا على مدى عشر سنوات، وقد تمت هذه الاتفاقيات في حينه على غرار ما يفعله بلطجية البارات الكاوبوي، ولا ننكر ان ترامب قد حقق وقتها كثيرا مما أرد اعتماداً على تخويف منطقة الخليج وعلى رأسها السعودية من العدو الإيراني.
زيارة بايدن هذه الأيام أتت في وقت شديد الحساسية عالمياً ،حيث ان الولايات المتحدة الأمركية وحلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلنطي، تورطوا في عجلة الحرب الروسية الأوكرانية إقتصادياً وسياسياً، حتى إن كانت الآله الإعلامية الغربية تروج عكس ذلك تماماً، لإيهام الشعوب الغربية انهم يقفوا إنسانياً إلى جانب أوكرانيا كأسرة أوروبية كما يفرضه الواجب القومية.
اليوم غير الأمس فلا يمكن لمنطق العقل أن لهذه الزيارة السريعة هدفاً سياسيا، فلقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن يدى وكأنه تحصيل حاصل ومظهر افتقد الجوهر، حيث جاءت تصريحات بايدن باهته لم يعد فيها ببذل جهد حقيقي لحقوق الشعب الفلسطيني المحتل، في وقت لم يخفي فيه غرامه كسابقيه بإسرائيل وحمايتها، والعمل على دمجها في منظومة دفاعية أسوة بحلف شمال الأطلنطي ” الناتو ” وضمها لصداقات وتطبيع مع العرب.
اسرائيل من جانبها أوقفت الاعتداءات المستمرة وقت زيارة بايدن، وتعمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلى الزج بالرئيس الأمريكي بايدن في منطقة حرجة، حيث كانت قد استبقت زيارته بتصعيد ظاهر، وتوسعت في جرائم قتل الفلسطينيين في مدن وقرى الضفة الغربية، ومضاعفة بناء المستوطنات، وطرد السكان، وهدم منازل الفلسطينيين في القدس، والدفع بخطط التهويد الكامل للمدينة المقدسة”.
حقيقة لم نقع في الفخ الإعلامي الغربي الذي يسوق إلى قول ان السياسة الأمريكية الفلسطينية مع الديمقراطي بايدن تختلف عن سابقه الجمهوري ترامب، حتى إن كانت هناك اختلافات فهي صورية لا تغني ولا تثمن من جوع.
، بايدن لم يقدم على شيء مختلف عن سياسة سلفه دونالد ترامب، صحيح أنه لم يتحدث عن صفقة ترامب، أو ما كان يعرف إعلاميا باسم “صفقة القرن”، لكنه لم يغير شيئا مما تركه السلف، فقد كان ترامب اعترف بضم إسرائيل للقدس كلها شرقية وغربية، واعترف بها كعاصمة أبدية موحدة لكيان الاحتلال، وهو ذاته ما واصله بايدن.
مقال تنويري رائع لأنه يرصد تدشين أول «سياسة عربية» جديدة في القرن الحادي والعشرين تواجه في الصميم اطماع الولايات المتحدة في المنطقة العربية، ولا تأبه بتهديداتها.. براڤو كاتبنا التنويرب العظيم.