د.ماجد فياض يكتب | جوزيف مكارثي أيقونة الخوف والوعيد

تايم نيوز أوروبا بالعربي | د.ماجد فياض

في مزرعة نائية بأطراف ولاية ويسكنسن الأمريكية وفي الرابع عشر من نوفمبر لعام 1908 وُلد وتربي جوزيف مكارثي الرجل الوصولي الذي لا سقف لتطلعاته ، فبعد أربعة أعوام فقط من حصولة علي شهادة المحاماة من جامعة ماركويت، أصبح أصغر قاضيا منتخبا في محكمة الإستئناف في الدائرة القضائية العاشرة بنفس الولاية لعام 1939م بعد أن حاول بشتي السبل والوسائل المشروعة وغيرها .

بعدها بسنوات قليلة أدرك مكارثي جيدا أنه لا صوت يعلو فوق صوت الحرب العالمية الثانية وحن جسده لركوب موجة المجد و الفتح المبين علي صوت زئير المدافع وطلقات الرصاص ليترك القضاء و يتطوع للخدمة في قوات المشاة البحرية الأمريكية ويخدم خلال الحرب العالمية الثانية برتبة ملازم أول .

لم تشغله صراعات الحرب نفسها علي الأرض ، ولا دوار البحر علي مراكب البحرية فقد انشغل بذاته و أطلق العنان لخياله الخصيب ، و عقد عزمه ، وبدأ التخطيط ورتب حملته للترشح لمقعد الحزب الجمهوري بمجلس الشيوخ الأمريكي مستغلا خلفيته العسكرية وصفته كمقاتل حرب عام 1946 ليفوز بعدها بعام واحد ويصبح أصغر عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي .

في عام 1950 كان المناخ السياسي الأمريكي مضطربا وبلغت شكوك ومخاوف المعادين للشيوعية أوجها لتأثرهم بالتوترات الناتجة عن الحرب الباردة
ليغتنم تلك الأجواء الرائجة وهو قناص اللحظات الماكر فطوع كل مفرداته اللغوية وخبراته العسكرية لقيادة مجتمع مذعورا يَسهُل عليه تقبل الأفكار والاتهامات فأدعي بدون دليل أن هناك عدد كبير من الشيوعيين والجواسيس السوفيت والمتعاطفين معهم والطابور الخامس داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية وأنهم يسعون إلي شيوعية وتشييع الدولة وهدم مؤسساتها ويريدون القضاء علي مسيحية الدولة فأحدث لغطا وجدلا في كل الأوساط ليصبح مكارثي واحدا من أشهر الشخصيات العامة في أمريكا .

بقائمة واحدة بها 205 إسم خط مكارثي أولي قوائم اتهاماته قائلا أنهم شيوعيون وجواسيس في الخارجية الأميركية ثم توسع حتي توغل في جميع قطاعات المجتمع الأمريكي، فُطرد بسببه أكثر من عشرة آلاف مواطن من وظائفهم و تم التنكيل بهم بخلاف من غابوا خلف أسوار السجون ومن هؤلاء مارتن لوثر كينغ وألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلى تشابلن.

اما المثقفون الحقيقيون الذين يقرأون المشهد جيدا ويعون المشكلات ومن ثم يطرحون الحلول فقد نسخوا مصطلح المكارثية بإسمه في عام 1950 في إشارة إلى رفض وفضح ممارسات مكارثي وتم تطويع وتوسيع دلالات المصطلح ذاته لتشمل كل الإرهاب الثقافي الموجة ضد المثقفين ، وكتب راي برادبري روايته “فهرنهايت 451” ردا على مكارثي في ممارسة الإرهاب الثقافي ضد الكتاب والمثقفين في أمريكا
بينما أنبت الله له بعض السياسيين والصحفيين مثل إدوارد مارو وأورثهم أرضا لم يطئوها لينتقدوه، ويكشفوا إفكه وزيفه وهو في قمة شهرته وطغيانه.

ولأنك تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت أو بعض الناس كل الوقت لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت ، ولأن المؤسسات الأمريكية أيضا كانت تتمتع بكثير من الإستقلال ووعي المجتمع الثقافي الأمريكي نفسه فقد انكشف نهجه وتعري منطقه و ضعفت مصداقيته وتم تعنيفه رسمياً بواسطة مجلس الشيوخ الأمريكي فأدمن الخمر وانزوي عن المشهد حتي توفي بمستشفي بيثيدا البحرية في الثاني من مايو لعام 1957م عن عمر يناهز ثمانية وأربعين سنة فقط بسبب إلتهاب الكبد الفيروسي.

مات جوزيف مكارثي مذموما مدحورا ، بعد أن وزع اتهاماته الآثمة جورا وفجورا لكنه ترك لنا ذريته العطنة حول العالم من ملايين المكارثيين الذين يتهمون كل من يعارضون ويختلفون معهم بالخيانة والعمالة والتآمر بدون أي دليل ويوما ما سينكشفون ويفتضحون وسيعنفون كما فُعل به وسيصبحون في نار الوجدان الشعبي حطبا .

عن admin1

شاهد أيضاً

الإبادة الفكرية والثقافية

كتب | وائل أبو طالب إن ترسيخ وصناعة الكذب والمعلومات المغلوطة ولا سيما تلك التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *