الكاتب أحمد يدك
الكاتب أحمد يدك

أحمد شوقي يكتب | إثم الطاعة وثواب المعصية !

بقلم : أحمد شوقي

علي مر الزمان، لم تمضِ مسيرة الإنسانية علي وتيرة واحدة..عصور من الازدهار تُقابلها فترات من الرجعية والضحالة، أقوام تأتي وأُخري تذهب، ويظل الإنسان هو العامل المشترك بين رحلتي الذهاب والإياب..الإنسان الذي يبدأ دومًا من حيث استقر بغيره المُنتهي، ليصبح هو ذاته مجرد “نهاية” يتحسسها آخرون للإسترشاد علي بداياتهم! وبين كل بداية ونهاية، تترك الأمم الإنسانية خلفها مجموعة إسهاماتها في مسيرة التطور الحضاري، إسهامات تُعبر عن كل أمة باختلاف بيئتها ووقتها، لذا، فالتطور عملية متتابعة ومتواصلة وآخذة في الإستمرار.

وبينما تحاول معظم المجتمعات أن تُضيف إلي رصيد التطور الإنساني، فهناك من ينجح في تحقيق ما يُمكن الإستدلال به في سجلات الإنماء الحضاري، كما أن هناك علي الجهة المقابلة من يستنزفون من أرصدة التطور ولا يعدون كونهم عالة أو أوزانًا زائدة علي ركب التقدم الإنساني! ولا شك أن الأديان قد أرست للإنسانية قواعد التطور بمختلف الرسالات التي تتابعت هي ذاتها إلي أن وصلت لرسالة الإسلام الخاتمة، والتي لم تمنع أي منها إقامة البنيان الحضاري تأسيسًا علي هذه القواعد، تحقيقًا لرُقي مجتمعات بني الإنسان ورفعتها. فالأديان لم تفرق بين شعبة وأخري من شعب التطور والتقدم، كالتقدم في العلم أو التطور الأخلاقي والبيئي والخدمي والاقتصادي والثقافي والرياضي والإجتماعي..إلخ، إذ أن كل ما يصيب البشرية بالنفع محل استحباب من كل الأديان، وهذا لم يمنع طوائف “المنغصين” من وضع الفوارق وتحديد الأولويات حتي وصل بهم الأمر إلي استباحة حق المولي عز وجل في التحريم والإباحة، فنكاد لا تمر علينا مناسبة إجتماعية دون الطعن بها وإطلاق أحكام التحريم الجزافية بحقها، كعيد الأم الذي احتفلنا به الأسبوع الجاري، بذريعة أنه من المستحدثات وبالتالي كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، كما ورد بالحديث النبوي.

في الحقيقة، إن الأمر برمته يرجع إلي سوء فهم للقصد من حديث النبي صلي الله عليه وسلم والتفافًا علي سياقه، إذ أن للإستحداث وجهان، استحداث في طاعة الله عز وجل، واستحداث في أمور الضلال ومعصية الخالق سبحانه وتعالي وهو الوجه الذي جاء فيه الحديث، وهو ما يؤكد عليه البناء اللفظي به، الذي أشار إلي محدثات تندرج ضمن أمور الضلال ومآلها للنار، فالأمر لم يُترك علي عواهنه! المحزن بحق أن الأمر لم يقف عند حد المناسبات الإجتماعية، بل طال أيضًا الإحتفالات الدينية، في استباحةٍ وتعدٍ وتطاول علي حق المولي في الأمر والنهي، وامتطاء لخاصية الاجتهاد التي كفلها الدين بغرض التسهيل علي المؤمنين فهم إيمانهم؛ إذ فُجعت من قول أحدهم مؤخرًا إنه لا يجوز الإحتفال بذكري الإسراء والمعراج كونه من الأمور المستحدثة، وبالتالي يقع تحت مظلة الضلال والبدع ومنها إلي النار! الإشكالية هنا تكمن بالتعميم في مواضع التخصيص، إذ جاء الحديث في حالة معينة دون غيرها، وهي الإستحداث في معصية الله، وهي الحجة التي أقامها وأقرها حديث النبي صلي الله عليه وسلم، حيث قال: “من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا”، صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم.

وهنا إقرار من النبي صلي الله عليه وسلم بمسألة الإستحداث باختلاف وجهيها، بمعني أن الدين يستوعب الإستحداث في الطاعات والقربات بل ويشجع عليها، لذلك فإن تخصيص يوم من أيام السنة أو أكثر كمناسبة اجتماعية تكريمًا للأم يُعد أسمي مداخل الإستحداث في الطاعات، وأعظم أشكال التطور الأخلاقي، وأنبل صور التقدم الحضاري! الغريب في الأمر أن طوائف “المنغصين” لا يثير حنقهم سوي زاوية التطور الأخلاقي والإجتماعي دون غيرها من زوايا التطور والتقدم، الأمر الذي يميط اللثام عن خبث مرادهم، وهو استهداف الوجدان عبر وضع أفئدة المؤمنين في مرمي نيران ظلاميتهم، حتي تتمكن منها القسوة والغلظة، فيصيب القلب مستودع الإيمان العطب والخلل الذي يختل معه تطبيق صحيح الإيمان بالله سبحانه وتعالي، فيصبح الإقبال علي طاعة الله في فصل رؤوس البشر عن أجسادهم، والانصراف عن معصيته بتحريم عيد الأم وتجريم الاحتفال بذكري الإسراء والمعراج! فهنيئًا للراحل العظيم مصطفي أمين، أول من دعا للإحتفال بعيد الأم، صاحب السبق في سن هذه السنة الحسنة الطيبة المُباركة، التي أسأل الله أن يكتب له أجرها وأجر من تبعها إلي يوم القيامة.

ahmed.shawky610@gmail.com

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

الهيلوجرام بين العلم والحرام ؟! . .

بقلم | وائل أبو طالب عندما تشير اصابع الاتهام إلى دولة معينة واتهامها بسرقة سحب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *