د.خالد شوكات

تونس|ثورة مُستمرّة في الواقع والسينما 

كتب | د.خالد شوكات

انقلب “الربيع” العربي إلى شتاء في جميع الدول التي اجتاحتها ثوراته التي عصفت بالكثير من الأنظمة الديكتاتورية ابتداء من يوم 14 يناير 2011، إِلَّا في تونس البلد الذي انطلقت منه الأحداث، فقد بقيت شمعة ربيعها مضيئةً رغم العتمة من حولها، ورغم الأعاصير التي هبّتْ في الداخل ومن الخارج بلا توقف طيلة العشر سنوات الماضية، ولم تجد حيلة إلا واستعملتها حتى تنطفئ هذه الشمعة الوحيدة الباقية، غير أنها صمدت مبقية بذلك على ضوء في آخر النفق العربي، يزوّد نشطاء الديمقراطية وحقوق الانسان وصنّاع الفنّ والحياة بالأمل.

السينما التونسية كانت قبل الثورة وبعدها متميّزة في محيطها العربي، لم تنجح في التحوّل إلى صناعة كما هو الحال في الجارة مصر مثلا، ولكنّها نجحت في أن تكون “فنّاً” راقيا ساهم في خلق وعي مدني لدى التونسيين، وارتباطاً وثيقاً بقيم الحرّية ورفض الديكتاتورية على امتداد عقود، فعمر السينما التونسية المعاصرة اليوم يقارب السبعين عاما، وطيلة هذه العقود ارتبط كبار المخرجين التونسيين مثل “النوري بوزيد” و”الطيّبِ الوحيشي” و”رضا الباهي” و”عبد اللطيف بن عمار” و”عمر الخليفي”وغيرهم بقضايا تقدّمية تطلّعت الى دفع بلادهم، المجتمع والدولة معاً، في الاتجاه الصحيح للتاريخ، اتجاه الديمقراطية والدولة المدنية، وهو ما قامت ثورة الياسمين بالعمل على تجسيده، من خلال الدستور الجديد الذي تضمن جميع الحرّيات والحقوق وفقا لآخر ما أنتجه الفكر الانساني المعاصر.

وهنا علينا أن لا ننسى الإشارة الى مهرجان قرطاج السينمائي الذي يعتبر المهرجان الأعرق في قارة أفريقيا، وكذلك المهرجان الذي لديه الجمهور الاكبر في العالم العربي ، حيث تباع جميع تذاكره ويبقى محبو الفن السابع في الشارع في طوابير طويلة، في الانتظار خارج القاعات، لعلَّ الحظ يحالفهم بالظفر بتذكرة جراء غياب صاحبها، وهذه ظاهرة نادرة في جميع المهرجانات السينمائية العربية وحتى الافريقية.

وهكذا واصلت السينما التونسية رسالتها بعد الثورة، حيث اتسعت مساحة الحرية وتحرّر المخرجون والمنتجون من الرقابة السياسية التي كان يفرضها النظام السابق، ولم  يتهرّب صنّاع الأفلام من واجبهم في دفاع عن هذه الفرصة التاريخية، في مواجهة التحدّيات الطارئة التي هدّدت هذه الديمقراطية الناشئة، ففي فيلمه “زهرة حلب” الذي أنتج سنة 2016، تناول المخرج الكبير رضا الباهي موضوع الارهاب والجماعات الإرهابية من زاوية إنسانية وعائلية، فداعش التي أقامت دولة في سوريا والعراق جعلت من الديمقراطية عدوا كبيرا لها وكان طموحها تحويل تونس الى إمارة ثيوقراطية. الباهي في فيلمه كشف القناع عن هذه الجماعة الإرهابية التي تتاجر بالدِّين من أجل تحقيق أهداف دنيوية وسياسية تخدع البسطاء، كما اظهر بطولة التونسيين في الدفاع عن دولتهم ونظامهم الديمقراطي، تماما كما جرى في الواقع في مدينة بنقردان التونسية التي تصدّت لهجوم ارهابي مباغت يوم 6 مارس 2016، وتمكنت من صدّه وإفشاله بشجاعة أدهشت العالم بأسره.

لقد مثلّ الارهاب الديني عدوّ تونس الجديدة الاول منذ السنة الاولى للثورة، عبر أعمال ارهابية بلغت ذروتها سنة 2015، من خلال ثلاث عمليات اجرامية، ضربت الأولى  متحف باردو (نفس مبنى البرلمان التونسي) وقتلت عشرات السيّاح من مختلف الجنسيات والاصول والاعراف، أما الثانية فاستهدفت شاطئا تابعا لأحد الفنادق الفخمة في مدينة سوسة السياحية وذهب ضحيته عشرات السياح الأوربيين، أما الثالثة فقد استهدف فرقة للحرس الرئاسي حيث قتل الارهابيون شبابا تونسيا في عمر الزهور كانوا في طريقهم الى اداء واجبهم في حراسة قصر قرطاج أين يقيم رئيس الجمهورية.

وينظر المتطرفون الاسلاميون للنموذج التونسي الديمقراطي بحقد كبير، ذلك أن العرب أصبحوا بعد الربيع العربي أمام خيارين، خيار الدولة المدنية للديمقراطية الذي  تمثله تونس، وخيار الدولة الدينية الثيوقراطية الذي تمثله “داعش”، وهكذا اصبحت السينما أهم الأسلحة التونسية في التصدي للمخططات الإرهابية.

“نحبّك هادي” فيلم للمخرج الشاب محمد بن عطية، وأنتج خلال سنة 2016 كذلك، حيث شكّل عنوانا بارزا للسينما التونسية خلال عشرية الثورة الاولى، وقد توّج بجائزة أحسن أوّل فيلم مهرجان برلين احد اهم المهرجانات السينمائية في العالم، وارتبط في موضوعه بأحد أهم المضامين الفكرية والتحررية التي ميّزت الثورة، فحرية الجسد وحرية الضمير وحرية العلاقة الانسانية من خلال قصّة حب بسيطة وعميقة وغير متوقعة لشاب وشابة أرادا الانتصار على التقاليد والسير في طريق القلب، هي تماما قصة تونس التي أرادت السير وسط ألغام العالم العربي الاسلامي لتكون أوّل دولة مدنية حقيقية في مجالها الجغرافي والتاريخي متحدّية عقبات قرون من التخلّف والرجعية، ومبشرة بقدرة الشباب التونسي خاصة،  والعربي عموما، على تغيير الواقع وفرض الحرّية.

الفيلم الثالث، الذي يرمز لثالث التحديات الكبيرة التي اعترضت – وما تزال- طريق تونس

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

فرحة | فيلم سينمائي يثير غضب الصهيونية

روتردام | هبه الابياري فلسطين عام 1948. فرح فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا، معظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *