أسڨاس أمڨاز…عام سعيد | بالامازيغية

شبكة تايم نيوز أوروبا|
نسيمة طايلب – جامعة الشلف ( الجزائر):

يعد الاختلاف الثقافي موضوعا إشكاليا، يطفو للنقاش كلما تعارضت أو اصطدمت بعض الممارسات الثقافية ببعض، دون أن يدرك المعارضون لها أن الموروثات الثقافية المادية أو غير المادية ما هي إلا امتداد للتاريخ الإنساني، لذا لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تتطابق إلا في سياق حضاري و مكاني موحد، كما أنها لا تقبل الإقصاء بقدر ما تقبل التنوع، ولا تقبل الإلغاء بقدر ما تقبل التطور، وكل إقصاء أو اعتقاد بأن التوجه المُتَبَنَّى أصح من باقي التوجهات يعد تطرفا ثقافيا بحد ذاته.
فإذا كان الإقرار بوجود ثقافة الأغلبية واجبا، فإن الاعتراف بوجود ثقافة الأقلية أَوْجَب، و عدم القبول بهذه القاعدة إنما هو إنكار لصفة الثقافة على الوجود الإنساني.
و من المظاهر الثقافية التي تطبع أي جماعة بشرية حيازتها لموروث ثقافي يتم تناقله من جيل إلى آخر، و عادة ما يضم في جزئه المادي العمران و اللباس، الحلي،الأواني الفخارية و الفضية، الزرابي ومختلف المأكولات الشعبية…، بالإضافة إلى الموروث غير المادي الذي يضم في تركيبته مختلف العناصر التراثية ذات التمثلات المعنوية كالأدب الشعبي، الشعر الملحون، الأسطورة، الألغاز، الأمثال والحكم …
هذا و تعد المناسبات الاحتفالية فرصة لتمثل الممارسات الشعبية لدى الجماعات المتقاربة جغرافيا و المشتركة عقائديا و المندمجة اجتماعيا، و عادة ما تتغذى هذه الممارسات من أساطير و معتقدات الجماعة.
بالتزامن مع التطورات التكنولوجية الراهنة، اكتست الاحتفاليات الشعبية حيزا كبيرا من الاهتمام و المتابعة، بعدما خرجت من بيئتها المحلية إلى فضاء رقمي أوسع احتضن تلك الممارسات بمزيد من التفاخر من قبل المساندين لها، و سيول من الذم والنبذ من قبل الرافضين لها، حد الاتهام بالجهالة و التخلف و الإشراك و غيرها من الأوصاف التي نحن في غنى عن الخوض فيها، و قد يعود ذلك إلى النظرة المتعالية للإنسان المعاصر، و التي تتسم بقدر كبير من التناقض و اللاتجانس، لدرجت بلغت مبلغا كبيرا من العدائية الثقافية المتزايدة من سنة لأخرى، غير أنها تبقى محاطة ببعض من الحنين المعنوي و العاطفي نحو الماضي.
هذا ما عرفته مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، بالتزامن مع احتفال فئة واسعة من أمازيغ شمال إفريقيا، بالناير أو ما يسمى بالسنة الأمازيغة أو “ثابورث أوسـﭭاس” (باب العام)، الذي عادة ما يصحبه تحضير “إمنسي أوسـﭭاس” (عشاء رأس السنة)، ومن خصوصياته الوفرة و التنوع التي ترمز لغنى وخصوبة المحاصيل الزراعية المرجوة خلال السنة؛ عادة ما تضم مائدة الاحتفالية طبق الكسكسى المقدم بسبع خضار أو سبع حبوب جافة، البركوكس، الزريرة (الروينة والعسل)، الشخشوخة، الخبز العشبي (المشكل من النعناع و الفليو و الريحان)، الرشتة، التليتلي و الفطائر بمختلف أنواعها (بحيث ترمز الخميرة لمضاعة الرزق). و هي مناسبة يتم الاحتفاء خلالها بكل ما تجود به الأرض لاعتقاد الأسر أن الخيرات التي لا يتم جلبها في هذه الليلة ستحرم منها العائلة طيلة السنة، لذا يحرص رب العائلة على أن تكون كل الغلات موجودة تعبيرا عن آمال وتمنيات بعام عامر بالخيرات و الأرزاق الوافرة.
رغم الاحتفاء الواسع بمثل هذه الممارسات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن غالبيتها تتجه للزوال و الاندثارواقعيا، بالنظر إلى تغير تركيبة الأسر و تحولها من الممتدة إلى النووية، التباعد الاجتماعي، تحريم أغلب الممارسات الشعبية تحت طائلة التسييس والتكفير .
رغم ذلك، تبقى الاحتفالات الشعبية التي لا تتعدى على حدود الله و تدعم استمرار الثراء الثقافي ممارسات تستحق الإحياء و الدعم و الترويج الثقافي، فهي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية .

عن admin1

شاهد أيضاً

الهجرة غير الشرعية | بدائل آمنة

وزيرة الهجرة تستعرض تقريرًا عن منجزات المركز المصري الألماني للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج السفيرة سها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *