مأزق القيم في الرسوم المتحركة العربية

شبكة تايم نيوز أوروبا| نسيمة طايلب – جامعة الشلف| الجزائر

من منا لم يُشَاهِد يوما الرسوم المتحركة؟ من منا لم يجلس مُطَوَّلا أمام التلفاز في انتظار رسومه المُفضل؟ لكن قِلَّة منا تمعنت في محتوى هذه الرسومات و القيم المحتواة بها، وحدهم الدَّارِسُون و المُخْتَصون في الميدان من ينتبه لتفاصيل تَغْفَل أو تَتَغَافل عنها العامة، فالمتتبع لتطورها يلاحظ الفرق الشاسع في مضامينها، فشتَّان بين ما كانت تهدف إليه في الماضي القريب و بين ما تُرَوِّج له اليوم.
فالحديث عن القيم في الرسوم المتحركة، هو في الأساس حديث عن تاريخها بين الماضي و الحاضر، بين ما كان و ما هو كائن من محتوى، إذ لا تتساوى الرسائل بأي شكل من الأشكال، و هذا ما تشير له العديد من الدراسات التي اهتمت بفهم البعد القيمي للرسوم المتحركة، إذ تؤكد نتائجها على تباين في شدة الايجابية والسلبية.
فمن خلال الاطلاع الفاحص على العديد منها، يتضح جلِيًّا تنوع في القيم الايجابية كـ: الأخوة و الإيثار، التعاون و التسامح، الصدق و المحبة، الصبر والتشارك … و هي بعض من قائمة طويلة للقيم المُعَبَّر عنها بالأقوال، الأفعال، والتراكيب الفنية المُشَكِّلَة للرسوم المتحركة كاللباس، الخلفيات، الديكور، حركات الشخصيات و إيماءاتهم …أو حتى بتفاصيل من قصص الرسوم في حد ذاتها.
أما إن تَحَدّثنا عن القيم السلبية التي تُرَوِّج لها الرسوم المتحركة، فهي أيضا كثيرة وتزيد تَكَاثُرًا يوما بعد يوم نظرا لمتطلبات العولمة التي تَقْتَضي وُجوب الانفتاح اللاَّمحدود على الثقافات الغربية، رغم التعارض في القيم و عدم التناسب لا في الظروف و لا في الضوابط، و هو أمر مُنْتَظَر جَرّاء ترجمة المحتويات الكرتونية والعكوف عن الإنتاج المحلي، و إن وُجِد فأغلبه نسخ أو اجترار لقصص عالمية أو نماذج غربية لا تَمُتُّ للسياقات المحلية بصلة، لا في منطق التفكير، و لا في أساليب الممارسة و التعامل، و هذا لا يعني إقصاءً لقيم المجتمعات الغربية، إذ لها من القيم ما يقتدى به، إنما الأمر راجع لحساسية الفئة المستهدفة من الرسوم المتحركة، فأغلبهم أطفال تغيب لديهم المقدرة على غربلة المحتويات المُتَلَقَاة، بل تستهلكها كما هي.
هذا ما يَخلق تَبايُنا ملحوظا في القيم بين مَنْ يُنْتِج و من يستهلك، و هو ما يسمى بـ “الهوة القيمية” بين المجتمعات و حتى بين الأجيال؛ و لعل أكثر القيم السلبية رواجا، نجد: العنف و العدوانية ، الذاتية و حب النفس، التطرف و التعصب، الأنانية و حب الفوز دون اعتبار لطرق تحقيقه، الخيال المفرط حد الكذب، الخيال لدرجة تزييف الحقائق و الوقائع، التضارب العقائدي تحت غطاء التسامح و تقبل الآخر…. وكلها قيم تُوحي بخطورة ما يُحدِّق بأبنائنا، فعلى قَدْرِ الخطورة، تأتي النتائج وخيمة وغير محمودة العُقْبَى، إذ تحصد المجتمعات العربية و الإسلامية أشواك عائدات التبايُن القيمي بين ما هو دخيل و ما هو أصيل، خاصة و أن النشء أساس بناء المجتمعات، لذا وَجَبت إعادة النظر المستعجلة فيما يتم تسويقه من رسومات متحركة تهدد قيم المجتمعات ككل، فطفل الغد هو رجل أو امرأة الغد و نشأته على قيم سليمة أساس صلاح المجتمعات.
من المقترحات الوارِدَة لتجاوز هذا المأزق القيمي الذي يُحدق بتنشئة الأطفال في المجتمعات العربية والإسلامية، التفكير في توطين الصناعة الكرتونية، و جعل إنتاجها محليا بدل اللجوء لترجمة أو دبلجة الرسومات الغربية و الأجنبية، و من ثم التفكير في أَخْلَقَتِها وِفق ما تراه الأُسر العربية و الإسلامية ملائما لتنشئة أبنائها، من خلال إشراك المختصين أصحاب تجربة الأبوة أو الأمومة في كتابة سيناريوهات الأعمال قبل تجسيدها، ليكونوا أكثر قربا من المحتوى و أسلوب التواصل، و من ثَمَّ التَوَصُّل إلى الكفاءات المناسبة و الملتزمة بالتجسيد دون حياد أو انحياز عن أصل العمل، وبعيدا عن البعد المادي و رأسملة الأعمال الكرتونية، لأن الأصل في هذه الأعمال عائد معنوي قيمي قبل أن يكون عائدا ربحيا ماديا.

عن admin1

شاهد أيضاً

المقعد A37 تفوز في مُسابقة القيصر الأدبية الدولية للقصة القصيرة

كتبت | رئيسة قسم ثقافة وفنون – عبير نعيم المقعد تفوز بالمركز الثامن في مُسابقة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *