نسيمة طايلب تكتب|انشطار الهوية العربية في زمن العولمة …

…رحلة البحث عن الأنا بين الذات والذوات المركبة

شبكة تايم نيوز أوروبا|الجزائر

نسيمة طايلب – جامعة الشلف

تعد الهوية من المواضيع الشائكة و المثيرة للجدل، لما تحمله من تعارضات و تباينات في الطرح و التناول، و هذا راجع لاختلاف المداخل التحليلية والتعريفية لكل باحث، غير أن الثابت فيها هو تميزها عن باقي الهويات، بحيث يمنح هذا التميز لكل جماعة أو أمة مقومات بقائها و يحفظ لها خصوصيتها، فلا هي تذوب في ثقافات و هويات الغير و لا هي تُذَاب فيها.
لكن الحديث عن الهوية العربية في زمن العولمة، مغاير للحديث عنها في زمن ما قبل العولمة، و موضع هذا التحول ليس في جوهرها و ثوابتها، إنما في تمثلاتها وتجلياتها، ففي وقت مضى كانت الهوية العربية لا تعدو أن تكون مزيجا جامعا للسمات و القيم الثقافية و الاجتماعية و الحضارية المشتركة بين أفراد الأمة الواحدة، يصاحبه شعورهم بالتميز التاريخي، و الاعتزاز الحضاري، والتفاخر بالمرجعية العربية، بما تضمه من عناصر ضرورية كاللغة و اللباس والعادات والتقاليد… وهو التعريف الذي لا يمكن التحكم به في الوقت الراهن، إذ أصبحت وسائط الإعلام الجديد تتجاذبه تكوينيا، نتيجة للتحولات التقنية الحاصلة في مجتمعاتنا المعاصرة وما أعقبه من تغييرات اجتماعية و سياسية واقتصادية وثقافية أتت على ثبات بعض القيم، لدرجة انحلت العديد من الهويات في بعضها وامتزجت مقوماتها ببعض تحت مسمى “الهوية العالمية”، تحت ذريعة الانفتاح اللغوي والثقافي و الحضاري…
وعلى ضوء هذه التغييرات، عرفت السنوات القليلة الماضية اهتماما بالغا ومتزايدا بموضوع الانشطار الهوياتي، الذي يعني تقمص الشخص لتوليفة من الهويات الفرعية و المركبة الناتجة عن تفكيك الهوية الأصلية سواء بوعي منه أو دون وعي، و تعود متطلبات الاهتمام بالموضوع لما يشكله من تهديد متنامي على استقرار الهوية العربية.
فالمتتبع لتمثلات الهوية العربية عبر الفضاءات الافتراضية مثلا، يلاحظ تراجع مقوماتها الأصلية و اندماجها ضمن متطلبات التفاعل المفتوح: كتراجع استخدام الحرف العربي في النقاشات و المحادثات، تراجع التفاخر بالمحافل التاريخية العربية، إنكار بعض الممارسات الثقافية الضاربة في عادات العرب.. مقابل تبني ممارسات جديدة دخيلة عن المجتمعات العربية و مناقضة لوجودها.
كما أتاحت هذه الفضاءات لمستخدميها إمكانية التقلب في المواقف والاتجاهات و الأفكار، في حال لاقى الطرح جدلا أو رفضا، دون تقييد أو تقنين اجتماعي أو قانوني، كتوفر خاصية الإلغاء و الحذف في المنشورات، في المشاركات و التعليقات، و حتى في المراسلات، أو خاصة إخفاء و إظهار المحتويات عن أشخاص أو جماعات محددة… بعيدا عن الرقابة المجتمعية التي كانت في وقت مضى تقوم بدور الضابط الاجتماعي، و هذا ما يبرر تنامي صراعات التمثل بين الانتماء الذاتي والاجتماعي للمستخدم.
فكثيرا ما تتردد على مسامعنا أن فُلان عَبْرَ مواقع التواصل الاجتماعي لا يُوحي بأنّه فُلان الذي نَعْرِفه، و أن موقفه من قضية أو موضوع معين ليس ذاته موقفه من نفس الموضوع في يوم مضى… و هي مؤشرات مبدئية عن التحولات اللحظية للمستخدم، في اتجاه تحولات عميقة. هذا يعني أن الهويات الفردية الافتراضية لا تلبث أن تستقر على قيم و مبادئ ثابتة، إلا و عرفت تغيرا أو تحولا متباين العمق و المستوى تحدده درجة و عمق الاستخدام.
مثل هذه الممارسات، و إن صَغُرَتْ، فإنها لا تحفظ للهوية استقرارها وامتدادها، لذا يتوجب علينا تفعيل مبادرات فردية و جماعية على نفس المنابر الإعلامية التي تهددها، في خطوة مضادة لمجابهة مخاطر الانشطار و البحث عن الأنا العربية في فضاءات غير فضاءاتها، كأن نُطلق هاشتاج |عربي_و_أفتخر، شرط أن يصاحب القول فعل و ممارسة.

عن admin1

شاهد أيضاً

طريقة حفظ المفقودات في المسجد الحرام

تايم نيوز أوروبا بالعربي مكة المكرمة|ليندا سليم تيسيرًا على قاصدي المسجد الحرام وسعيًا لراحتهم، أطلقت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *