نور | قصة قصيرة بقلم: د.السـيد الزرقاني

 كتب: د.السيد الزرقاني

تلملم الشمس أشعتها المبعثرة في افق المدينة المترامية الأطراف، بين أحضان فرعي النيل الساحر، يتسلل الشعاع الأحمر خُلْسَة من بين أغصان الأشجار الدامي إلي روح (نور) وهي تجلس بجوار أمها في الشرفة التي تطل علي النيل عن بعد، حيث تبدو المسافات بعيدة بينها وبين النيل من فوق بنيات المدينة الشاهقة.

تستمع إلى جانب من حكاية الصياد العجوز الذي كان يخرج كل صباح ساعيا إلى رزقه، ويعود في الظهيرة برفقة زوجته التي لم تمل في يوم ما من تكرار الحدث يوميا منذ إصابة زوجها بالعمي، وكانت تلك الزوجة تري في زوجها نور الحياة، بكل مباهجها، تعايشه الحدث لحظة بلحظة.

تجلس (نور) دائما تطلب من أمها أن تصف لها بنيان وملامح هذا الصياد، وكل تفاصيل حياته وكيفية الصيد وهو كفيف وكيف يستخرج الشبك بالأسماك من النهر، كانت شغوفة بتلك الحكايات التي تحكيها لها أمها، كل مساء في تلك الشرفة القديمة التي أصبحت نافذة لها علي هذا العالم المحيط بها، وحرمانها من نعمة البصر.

البنت الأولي لأمها هي (نور) وأصرت أن تسميها بهذا الاسم علها تكون نوراً لها في الدنيا والآخرة، ولم تكن تعلم أنها ستحرم هي من رؤية النور إلى الأبد، إلا أن أمها كانت هي البصر والبصيرة، لها في رؤية الأشياء عبر تلك الحكايات.

تتكئ (نور) علي مقعدها بشكل يوحي للناظر بأنها تمثل مشهدا دراميا مع كل كلمة تخرج من فم أمها ،كانت تعانق هذا الفضاء الشاسع بخيالها مع تلك التفاصيل التي تحرص علي سماعها من أمها كل مساء، في هذا المساء طلبت من أمها ورقة سوداء، وكان الطلب غريبا، فأمها لم تكن علي استعداد لهذا الطلب، الذي بدي غريبا، لكنها اعتذرت عن تلبية هذا الطلب، وكان بإمكانها أن تأتي إليها بأي ورقة وتدعي بأنها سوداء، وتلبي طلبها إلا أنها أبت أن تفعل ذلك إيمان منها بأن الصدق مع ابنتها هو الأهم عندها حتي لا تكسر أشياء جميلة كثيرة زرعتها في روحها البريئة وظروفها .

بادرتها أمها بسؤال -لماذا تحتاجين إلي ورقة سوداء؟؟ – أريد أن أرسم نور -كيف -سأرسم نور ابيض علي تلك الورقة السوداء -لماذا الأبيض -الم تحكي لي أن النور هو شعاع أبيض -نعم ولكن يمكن أن يكون احمر مثل شعاع الشمس الآن أنه يميل إلي الحمرة مع حالة الشفق، لكنه يبدو جميلا من خلف تلك الأغصان البعيدة -هل يمكن لي أن أمسك تلك الأغصان؟؟ – نعم ممكن عندما نذهب إلي جدتك في الريف سأحضر لك بعض الأغصان بيدي – متي هذا؟؟ -قريباً عندما يأخذ بابا إجازة -سأطلب منه إجازة في أقرب وقت عندما يعود من عمله!!

كانت (نور) تحلم بأن تحتضن كل الأشياء التي سمعت عنها في تلك الحكايات المسائية، وحين يأتي الليل، تري كل الأشياء من حولها بيضاء، كبياض القلوب البشرية، قبل أن يدنسها الحقد والبغض، كانت تسبح في ملكوت النور الرباني، حين تخلد إلي فراشها مع صو ت الشيخ (محمد رفعت) وهو يتلو القرآن، كانت تشعر بأنها تحلق في فضاء المكان، روحاً هائمة، تتمايل يمينا ويسارا، وتنادي أمها أن تجلس بجوارها، وتمسك بيدها حين التجلي مع صوته الملائكي و كانت تجلس علي فراشها، تقلده في التلاوة، أمها كانت تنظر إليها في تعجب!! واندهاش من تلك الطاقة النورانية التي تحتوي أي مكان تحل به، وتفكر فيما يخبئه القدر لها في أيامها القادمة.

عن غرفة الأخبار

تعمل أسرة تحرير شبكة تايم نيوز أوروبا بالعربي بفريق عمل يسعى جاهداً على مدار 24 ساعة طوال الأسبوع لنشر أخبار عربية وعالمية، ترصد أخبار الوطن العربية لعرب المهجر وتضعهم في بؤرة اهتماماتها الأولى

شاهد أيضاً

الهجرة غير الشرعية | بدائل آمنة

وزيرة الهجرة تستعرض تقريرًا عن منجزات المركز المصري الألماني للوظائف والهجرة وإعادة الإدماج السفيرة سها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *