بقلم الإعلامية دكتوره: ماجدة عبد العال
في حياة الأمم، تأتي لحظات فارقة لا تقبل التأويل ولا تُختزل في شعارات، بل تُسطَّر بإرادة شعب وتُكتب بمداد من الوعي والإصرار. هكذا كانت ثورة 30 يونيو 2013، التي لم تكن مجرد احتجاج سياسي، بل كانت لحظة استرداد وطن، وتصحيح مسار، وإنقاذ هوية كادت تُختطف لصالح مشروع لا يمثل مصر ولا وجدان شعبها.
صرخة شعب… لا انتفاضة غضب
منذ اللحظة الأولى لتولي جماعة الإخوان المسلمين الحكم، بدأت ملامح الخطر تتشكل في الأفق. دولة تختزل الوطن في فصيل، وتُقصي الكفاءات لصالح الولاءات، وتُحاصر مؤسساتها لصالح تنظيم فوق الدولة. وشيئًا فشيئًا، بدأ المصريون يشعرون بأنهم على مشارف فقدان كل ما ناضلوا من أجله في 25 يناير: دولة مدنية، حريات، عدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية.
لم يكن 30 يونيو غضبًا لحظيًّا، بل كان صرخة وعي تشكّل عبر شهور من القلق والانكشاف والخذلان. أكثر من 30 مليون مصري خرجوا في مشهد تاريخي لم تعرفه الثورات الحديثة، لا بحثًا عن مغنم سياسي، بل دفاعًا عن الهوية المصرية ذات الجذور الضاربة في التاريخ، والملامح الجامعة التي لا تقبل الاستبداد العقائدي ولا الإقصاء الديني.
الجيش… صوت الدولة لا الحاكم
استجابت القوات المسلحة المصرية لصوت الشعب، لا لتتولى الحكم، بل لتصون الدولة من السقوط. لم يكن البيان الذي ألقاه الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوم 3 يوليو بيانًا انقلابيًا، بل بيانًا تأسيسيًا لمسار جديد. مسار يُعيد بناء الدولة، ويمنح الفرصة لكل القوى الوطنية أن تشارك في صنع المستقبل، على أسس مدنية، وديمقراطية، ووطنية جامعة.
لقد انتصر الجيش لإرادة الأمة، تمامًا كما فعل في لحظات مصيرية سابقة في تاريخ هذا الوطن، ليؤكد من جديد أن المؤسسة العسكرية ليست قوة فوق الشعب، بل جزء أصيل منه، يتقدّم حين تتراجع الدولة، ويصمت حين يستقر الوطن.
30 يونيو… ثورة استعادة لا إسقاط
ما حدث في 30 يونيو لم يكن ثورة ضد نظام فقط، بل ثورة من أجل استعادة الدولة المصرية بهويتها وتاريخها ومؤسساتها. من أجل أن تبقى مصر دولة لجميع أبنائها، لا حكرًا على جماعة. من أجل أن تبقى السياسة ساحة للتعدد، لا ساحة للإقصاء. من أجل أن تعود مصر إلى مكانتها العربية والإفريقية والدولية، دولة عاقلة رشيدة، لا مرتهنة لمشروع غريب عن وجدانها.
بين الأمس واليوم… أين نقف؟
بعد أكثر من عقد على 30 يونيو، تحقق الكثير، وتبقى تحديات. استُعيد الأمن، وبدأت عجلة التنمية تدور، وانطلقت مشروعات قومية غيرت وجه البنية التحتية، وتعافت مؤسسات الدولة. لكن لا تزال أمامنا مهام وطنية جسيمة: تثبيت دعائم المشاركة السياسية، تعزيز الحريات، ترسيخ العدالة الاجتماعية، وتجذير الديمقراطية كثقافة لا كشعار.
30 يونيو ليست مجرد ذكرى نحتفل بها، بل امتحان دائم لوعينا، ومسؤوليتنا المشتركة كمواطنين أن نحافظ على ما تحقق، وندفع به إلى الأمام.
ستبقى ثورة 30 يونيو درسًا تاريخيًّا في أن الشعوب لا تُخدع طويلًا، وأن مصر – كما أثبتت دومًا – قادرة على تصحيح المسار، حين تتهدد الدولة، وتعلو مصلحة الجماعة على مصلحة الوطن. لقد قال الشعب كلمته بوضوح: “مصر لا تُحكم من الخارج، ولا تُختطف من الداخل، ومصيرها لا يُكتب إلا بإرادة أبنائها”.
⸻
magy-news@hotmail.com