بقلم: ضحى أحمد الباسوسي
من بعد النهاية كان المكان صاخبًا يومًا ما… ضحكات تطرز الهواء، أصوات تعانق الأرواح، ونبضات تتقافز كالأطفال في قلب الحياة، أما الآن، فسكونٌ ثقيل يخيم كالكفن، والذكريات تمشي حافية على أطراف الكلام.
ساد الصمت المكان، وصار السكوت هو شبح الأجساد والأركان، حتى المقاعد تأن، والمرايا أطفأت عيونها، خجلاً من وجهٍ نسي كيف يبتسم. لا أحد هنا، لا ظل، لا دفء، لا حتى وهمٌ تتوسدُه كي تهرب من هذا الفراغ، كأن الفقدان قد نكّس رايته في قلبها، وأعلن الحداد إلى أجلٍ غير مسمى، وكأن الوحدة صارت صديقتها الوحيدة، لا تغيب… لا تخون… لكنها أيضاً لا تجيب.
سقطت الأحلام من يدها ككوب زجاجي لم يُمسَك جيداً، وتناثر حولها ألف شظية… لا شيء منها يجرح بقدر هذا الشعور: أن تكون وسط الحياة، لكنك لست فيها، أن تمشي، وتضحك، وتتكلم، لكنك من الداخل… صدأ. ما أقساه الانكسار حين لا يُسمَع، حين لا يكون هناك أحدٌ ليلتقطك وأن تهوي بصمتٍ داخلي، أن تسقط، لكن بلا صوت، وبلا ذراع تمتد… وبلا سؤال: “هل أنت بخير؟” لكن، ما زلت تتنفس، وإن كانت الحياة لا تمنحنها المعنى، لكنها ستحاول أن تصنع من وحدتها مملكة صامتة، ومن كسرها لغة لا تُقرأ إلا بالدمع، ومن فقدها… قبراً تدفن فيه كل ما كان، وستحاول أن تبدأ… ولكن ليس من جديد، بل من بعد النهاية!