كتب | سعيد السبكي
أحد من ساهم في الانتصار المصري في حرب أكتوبر 1973 ليس من أشهر الجنود والقادة العسكريين الذين شاركوا في الضربه الجويه واختراق خط بارليف ولكنه ضمن أبطال آخرين عملوا في الظل ولفتره طويله، لم يكن يعلم احد شيئا عن تضحياتهم ولولاهم لما كان الجيش قادرا على خوض غمار الحرب من الأصل.
من ملفات المخابرات المصرية
نقرأ معًا واحده من اجمل قصص بطولات الظل في حرب السادس من أكتوبر والأكثر مكرًا ودهاءًا على المستويين السياسي والعلمي معا، إنها قصه البطل المصري العالم الدكتور محمود سعادة.
عندما كانت روسيا تضع بعض خبرائها العسكريين داخل مصر بذريعه تطوير العسكريه المصريه وتدريب الجنود على الاسلحه الحديثه لكن الرئيس الراحل محمد انور السادات في ذلك الوقت لم يكن يتحمل وجودهم على ارض مصر ويعود السبب لشك الرئيس السادات في نواياهم بعد علمه بكتابتهم تقارير دوليه عما يحدث في مصر وكذلك عن الجيش خاصه وان السادات كان يستعد لحرب أكتوبر ولم يكن في وسعه تحمل اي قلق اخر غير قلق الحرب بالاضافه لأنهم لم يعودوا ذي نفع بعد رحيل ضباطهم الكبار.
رفض السوفييت ارسال اصدارات متطوره من بعض الصواريخ وتسليم مصر طائرات ميج 23 وهنا قرر السادات طرد الخبراء السوفيات من مصر نهائيا واعطى لهم مُهله لم تتجاوز الـ 15 يومًا للرحيل عن ارض الكنانه، وكثيرا ما دخلت علاقة مصر وروسيا في مرحله عناد كبرى، وارادت روسيا أن تحرج مصر سياسيًا كما احرجتها عسكريا، فأعلنت عن امتلاكها لطائرات ميج 23 والصواريخ المتطوره ولكنها ترفض إعطائها إلى مصر ،مما يعني ان مصر فقدت اكبر حلفائها أمام الغرب، وساء الأمر اكثر فاكثر، عندما أعلنت روسيا رفضها مد مصر باي قطع غيار للمعدات العسكريه والاسلحه وهذه كانت كارثه كبرى لان هذا القرار يعني ان اي سلاح قد يتلف لن يتم اصلاحه وسيتم اهداره بشكل نهائي وهذه كانت خسائر ماديه وعسكريه فادحه.
فمثلا كانت اطارات الطائرات اكثر جزء يتعرض للتلف فيها خاصه وان لها عمرًا افتراضيا بسبب كثره الاحتكاك أثناء عمليات الهبوط، فتم تبني طريقه جديده في الهبوط لتخفيف الاحتكاك من اجل إطالة العمر الافتراضي للإطار ولكن كان هناك ازمات اخرى لم يكن لها أي حل واهمها أزمه الوقود.
بطل في الظل تلاعب باسرائيل وروسيا
الوقود المتوفر قد انتهت صلاحيته او اوشكت على الانتهاء في افضل الأحوال في الوقت الذي ترفض فيه روسيا ارسال اي امدادات كارثه الكبرى لم يتوقعها احد وقد تنهي الحرب قبل حتى ان تبدا فكيف تدخل حربا بدون صواريخ الدفاع الجوي هذا معناه انك مكشوف لطيران العدو بشكل كامل يستبيح سماءك خاصه وان مصر لن تستطيع استيراد هذا الوقود من اي دوله أخرى حتى لا تلفت الأنظار وتكشف خططها بسبب كم الاطنان التي ستستوردها من الدوله الاخرى .
في ظل هذا التوتر الدولي بدا الاحباط يسود صفوف الجيش المصري مره أخرى وربما سيتم تأجيل موعد الحرب واسترداد الكرامه لوقت بعيد ومحاوله التوصل إلى حل والبحث عن أشخاص ذوي خبره في مجال الطاقه .
طلب قائد قوات الدفاع الجوي توسيع دائره البحث لتشمل العلماء المدنيين بشكل كامل، فبدون ان يطلق رصاصه واحده كان عالم مصري يعمل في المركز القومي للبحوث اسمه الدكتور محمود يوسف سعاده واخبرهم اللواء انه يؤمن بهذا الشخص وفي قدرته على إيجاد الحل للجيش المصري.
العالم الشاب الذي كان عمره وقتها حوالي 35 عاما فقط وبعد التأكد من اهليته الكامله تم احضاره حيث اصطحبت سياره من منزله بعد اخباره بانه مطلوب لمقابله مسؤولين كبار في الدوله وتم اخباره بكل شيء داخل مقر القوات المسلحه ليقوم فيه بتجارب لصنع الوقود وهنا بدا السباق مع الزمان.
كان سعاده يخفي الامر عن الجميع ويعمل في سريه تامه فكان العميل سريا للجيش المصري وبطله في الظل كان يذهب الى عمله بشكل عادي كل يوم وعندما ينتهي في الساعة 2:00 ظهرا يذهب الى المعمل الخاص به داخل القوات المسلحه ويبدا تجاربه فكان يعمل ليل نهار لكي تنجح المهمه دون إفشاء سرها وبالفعل بدا باجراء التجارب على العينه منتهيه الصلاحيه حيث كان يقوم بتحليلها كليا لفك شفره مكوناتها ومعرفه جميع العناصر التي تدخل في صنع هذا الوقود ونسبه كل عنصر، وبعد فتره من المحاولات كان يعمل فيها حوالي 18 ساعه يوميًا تمكن من فك شفره الوقود ولكن كان هناك مشكله أخرى وهي حاجته لعينه من الوقود السليم غير مٌنتهي الصلاحيه من اجل التأكد.
دور مخابرات مصر
وهنا اتى دور المخابرات المصرية حيث قامت بتوفير عينه وقود صالحه له وبالفعل تأكد النجاح بنسبه وصلت الى 100% لتبدا المرحله الثانيه من المشروع وهو تصنيع الوقود داخل مصر ومن ثم كان عليهم استيراد العناصر المكونه للوقود من بعض الدول ولكن بكميات مهوله وهذا سيُشكل خطرُا على سرية الحرب، كانت احدى اذكى الخدع السياسية في حرب اكتوبر والتي ساهم فيها الدكتور محمود سعاده حيث اخبر القيادات المصريه ان العناصر المكونه للوقود تدخل أيضًا في صناعه بعض انواع المبيدات الحشريه لتبدا الناس في مطالبه الحكومه بتوفير المبيدات لمحاربه الآفات وهذا بالتحديد ما كانت تريده المخابرات دون اثاره الشكوك او لفت الانظار وبدأ دكتور محمود سعاده في عمليه إنتاج الوقود على الفور بحصيلة حوالي 45 طنا من الوقود، وكان هذا النجاح احد العوامل التي بنى عليها السادات قرار الحرب.
فخرج من رحم الشعب ابن مخلص يساعد جيشنا في تحقيق انتصار حرب العاشر من رمضان 73.