بقلم | الأديبة – عبير نعيم
لَا شَيْءً يَشْغَلُنَا اَلْيَوْمَ إِلَّا سُؤَالٌ يُلِحُّ بِمَرَارَةٍ : نَحْنُ اَلْعَرَبَ إِلَى أَيْنَ ؟ ! فَالتَّارِيخُ دَائِمًا يُذَكِّرُنَا بِأَنَّ عَذَرِيتَنَا اَلْعَرَبِيَّةَ كَانَتْ مُسْتَبَاحَةً ؛ وَالِاسْتِعْمَارَاتُ اَلْمُتَعَاقِبَةُ عَلَيْنَا خَيْرُ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ ! ! .
لَكِنَّنَا كُنَّا كـ « اَلْبِنْتَ اَلْبِكْرَ » اَلَّتِي لَا تَقْبَلُ « فَضَّ بَكَارَتِهَا » تَحْتَ أَيِّ ثَمَنٍ ؛ فَقَدْ كَانَ اَلِاسْتِعْمَارُ ، بِمَفْهُومِهِ اَلْقَدِيمِ ؛ وَهُوَ اَلِاسْتِعْمَارُ اَلْمَكَانِيُّ : أَيْ اَلتَّوَسُّعِ فِي اَلْأَرْضِ ، وَتَفْرِيقَ اَلْحُدُودِ ، وَإِعَادَةُ تَرْسِيمِهَا ، وَإِزَالَةُ هُوِيَّةِ شَعْبِهَا ؛ حَتَّى ظَلِلْنَا نُكَابِدُ عَلَى مَرِّ عُقُودٍ طَوِيلَةٍ كَتَبَتْهَا سِجِلَّاتُ اَلْمَعَارِكِ اَلتَّارِيخِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ اَلْعُصُورِ اَلْفِرْعَوْنِيَّةِ وُصُولاً إِلَى اَلدَّوْلَةِ اَلْحَدِيثَةِ .
فَكَانَتْ اَلْمَعَارِكُ وَقْتَهَا مُتَّضِحَةً اَلْمَلَامِحِ ؛ بِمَعْنَى أَنَّنَا كُنَّا نَعْرِفُ : أَيْنَ اَلْعَدُوّ ؟ وَنُعِدُّ لَهُ اَلْعُدَّةُ وَالْعَتَادُ لِمُلَاقَاتِهِ ! وَهَكَذَا كَانَتْ تُوجَدُ مَرَاسِيمُ تَكْتُبُهَا اَلدَّوْلَةُ اَلْمُسْتَعْمَرَةُ إِلَى اَلدُّوَلِ اَلَّتِي تَنْوِي اِسْتِعْمَارَهَا ، كَمَا فِي حُرُوبِ اَلْفُرْسِ وَالرُّومِ ؛ وَلَكِنَّ بُعْدَهَا اِسْتَوْطَنَتْ لَدَيْنَا فِكْرَةُ اَلِاسْتِعْمَارِ مُرْتَبِطَةً بِالتَّوَسُّعِ اَلْمَكَانِيِّ عَلَى مَدَى قُرُونِ حَتَّى جَاءَنَا اَلِاسْتِعْمَارُ بِشَكْلٍ جَدِيدٍ ، وَلِذَا جَهِلْنَا مَعْرِفَتُهُ وَتَحْدِيدٌ « مِنْ هُوَ ؟ » ، وَلِمَاذَا جَاءَ ؟ فَلِمَ يَأْتِ هَذِهِ اَلْمَرَّةِ بِمِقْصَلَةٍ تَقْطَعُ اَلرِّقَابُ ، وَلَا بِرَصَاصٍ يُصِيبُ اَلْجَسَدُ ، وَلَا بِمَدَافِعَ تُصِيبُ مُنْشَآِتً ؛ وَإِنَّمَا جَاءَنَا زَائِرًا طَيِّبًا ؛ يَجْلِسُ فِي بُيُوتِنَا وَيُؤْنِسُ وَحْدَتَنَا وَعُقُولُ شَبَابِنَا اَلْبَالِيَةِ !
لَقَدْ تَفَقَّدَتْ عَنْ عَمْدِ اَلْمَوْقِعِ اَلشَّهِيرِ : « مِنَصَّةٌ اَلتُّوكْ تُوكْ » أَمْسِ فَشَاهَدَتْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ ? يِدْيُو ، وَعَرَفَتْ نِصْفَ إِجَابَةِ اَلسُّؤَالِ ؛ فَنَحْنُ فِي مِنْطَقَةٍ خَضْرَاءَ ضَحْلَةٍ ، وَبِلَا تَجْمِيلٍ فِي اَلْجُمْلَةِ ! ! اِنْدَهَشَتْ ، فَكَيْفَ عَرَفَتْ دُوَلُ اَلِاسْتِعْمَارِ أَنَّ تَغَيُّرَ جِلْبَابِهَا ، وَنَحْنُ نُصَدِّقُ أَنَّهَا أَخِيرًا رَفَعَتْ ” يَدَيْهَا ” عَنَّا ! وَلَكِنَّهَا فَقَطْ ، وَفِي اَلْحَقِيقَةِ ؛ كَانَتْ فَقَطْ تَغَيُّرَ مَلَابِسِ اَلدَّوْرِ فِي اَلْمَسْرَحِيَّةِ اَلْأَزَلِيَّةِ اَلَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ تَحِيدَ عَنْهَا مَهْمَا كَانَتْ اِسْتِكَانَتُهَا ! بَلْ ، اِنْدَهَشَتْ أَكْثَرَ عِنْدَمَا أَدْرَكَتْ كَيْفَ عَرَفَتْ هَذِهِ اَلدُّوَلِ نِقَاطَ ضَعْفِ شُعُوبِ لَهَا حَضَارَاتٌ قَامَتْ عَلَى اَلْعَقْلِ قَبْلَ اَلْإبْمَانْ !.
اَلتَّفَاصِيلِ عَبْرَ هَذِهِ اَلْمِنَصَّةِ تَدْمَى اَلْقَلْبَ قَبْلَ اَلْعَيْنِ ، وَالْأَدْهَى مِنْ ذَلِكَ كُلُّهُ أَنَّهُ تُوجَدُ نَفْسُ هَذِهِ اَلْمِنَصَّةِ عِنْدَهُمْ ، وَلَكِنَّ اَلْمُحْتَوَى يَخْتَلِفُ تَمَامًا ، وَلِلنَّقِيضِ ؛ كَأَنَّنَا نُمْسِكُ بِمَعَاوِلِ هَدْمٍ ، وَهُمْ يُمْسِكُونَ بِمَعَاوِلِ بِنَاءٍ ، فَهْمُ هُنَاكَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ مَصِيرِ اَلْكَوْنِ ، وَالْمُتَغَيِّرَاتُ اَلْكَوْنِيَّةُ ، وَنَحْنُ هُنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ اَلْمَدْعُوِّ « سَيِّدْ حَدِيدَةً » عَرِيسْ اَلْغَفْلَةِ ! ! حَتَّى اَلْآنَ ؛ وَنَهْتَمُّ بِمُشَاهَدَةِ اَلْعَرَبِ عَلَى اَلْمِنَصَّةِ وَهُمْ يَقْفِزُونَ كَالْقُرُودِ فِي اَلْجَبَلَايَةِ ! ! مَشَاهِدَ مَازَالَتْ لَمْ تُفَارِقْ عَيْنِي ، وَكُلَّ هَذَا لِيَصْنَعُوا مُحْتَوًى يَضْحَكُ اَلْعَالَمُ ، وَيَبْكِينَا نَحْنُ عَلَى حَالِنَا ؛ وَيَبْقَى اَلسُّؤَالُ إِلَى أَيْنَ ؟ ! ! بَلْ ، وَإِلَى مَتَى ؟ ! !
احسنت سيدتى
كنت اتمنى تفاصيل اكثر عما شاهدتيه
فأنا لا اتابع البتاع ده
تحياتي