كتب د. عبدالله الكعيد
كيف قفزتْ اهتمامات الشعوب العربية من الحديث عن تحسين رغيف العيش(الخبز) الى البحث في أحوال الديموقراطية في بلدانهم ومقارنتها ببقية الدول المتحضرة عريقة التجربة السياسية؟ فهل ساهمت ثورة الاتصالات ومنها (الانترنت) خصوصا منصات السوشيال ميديا في رفع سقف وعي تلك الشعوب؟ وهل حدث ذلك التغيير بفعل مؤامرة خارجية كما يُقال أم بفعل واقع فرضته المرحلة؟ وأخيرا، هل الحرّية في طرح تلك الآراء غير المعتادة لصالح الحكومات العربية أم تقويضاً لجهودها؟
أسئلة ابدأ بها مقالي هذا على غير العادة منذ احترفت الكتابة الصحافية في مختلف المطبوعات العربية.
أقول: إن حديث معظم الناس اليوم في الشارع العربي وانشغالهم صغارا وكبارا، متعلّمهم وجاهلهم، من يعنيهم الأمر ومن لا ناقة لهم ولا جمل، واضح القضايا والغامض منها يُشغلهم ويُثير اهتماماتهم، فما هو المأمول من ذلك الوعي المتأخر؟
المُدهش أنه الى وقت قريب كان معظم أفراد المجتمعات العربية من المحيط الى الخليج يحذرون الخوض في القضايا السياسيّة خوفا وخشية من ملاحقة (الحكومة) في حالة ارتكاب فعل (الحكي) في هكذا مواضيع فيقولون (الجدران لها آذان) لهذا يطلبون في معظم الأحيان تغيير موضوع الحوار فيما لو حام حول الحمى فما بالك لو دخلوا مباشرة في شبكها وشِباكها. فما الذي تغيّر؟
شخصيّاً لا أظن بأن انغماس العامّة في القضايا السياسيّة قد حدث عشوائيا أو بمحض الصدفة، بل هنالك عوامل وربما مغريات أدت الى هذا الانشغال ولن تسمح المساحة المتاحة لي في هذه الصحيفة التوسع، لكنني مازلت عند ظني بأن هنالك مُحرّكاً مثيرا للإغراء يدفع للخوض في بحور السياسة المكتظّة بالشباك فائقة القدرة على الاصطياد وبالفخاخ مختلفة الأشكال والخطورة.
إن من يتابع ما يدور في منصات السوشيال ميديا وخصوصا مساحات الحوار في منصة (X) ربما يلاحظ أن معظم الطروحات عبارة عن نقد مواقف دول تجاه أحداث وقتيّة أو مطالبة بتغيير تلك المواقف التي ربما يجهل البعض المصالح الاستراتيجية التي دفعت تلك الحكومات لاتخاذها.
قد تكون بعض الطروحات مقبولة خصوصا تلك التي يكتبها شخوص بمعرفاتهم وسماتهم الحقيقيّة، لكن حينما يتم تهييج الرأي العام من قبل معرفات مشبوهة ضد حكومات عربية بعينها (أيا كان اختلافنا أو اتفاقنا مع مواقفها) بدافع تصفية حسابات أحزاب أو منظمات أو شراء أقلام كُتّاب قد باعوا ولاءاتهم لمن يدفع أكثر فهنا يفترض التدخل من قبل المثقفين العرب المحايدين منهم كي يقولوا الحقيقة المجرّدة من الميول أو الانتماءات القطرية شريطة عدم التدخّل في سيادة أي دولة على قراراتها.
أقول بكل صراحة إن من دفع الناس للتطرف في طرح رؤاهم السياسية المتعلقة بالأحداث الاقليمية العربية هو متابعتهم لوسائل إعلام أجنبية لها أجنداتها الواضحة حيث يراها المتلقي العربي أكثر مصداقية من إعلام محلي قد لا يقول الحقيقة كاملة، بل ربما يكذب ويُضلل.
صفوة القول أن الكلمة مسؤولية وقول الحقيقة المُجرّدة واجب بينما الضمير الصادق هو قارع الجرس الأمين.
- دكتور عبد الله الكعيد كاتب سعودي
- لمراسلة الكاتب:
aalkeaid@hotmail.com