كتب | سعيد السُبكي
كل إنسان له نفس واحدة، ذات صفات متنوعة وأحوالا تختلف من شخص لغيره ومن وقت إلى آخر، ومن زمان إلى مكان، فالشر والخير دخيلان على النفس البشرية:
قال الله تعالى: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها».
لذلك فإن الإنسان الواعي صاحب العقيدة القوية ” أي إن كانت ديانته “والمُتمسك بالقيم الإنسانية الحميدة يجب ألا يطمئن إلى نفسه، فالشر لا يجيء إلا منها.
والزمان والمكان عُنصران يلعبان دورًا أساسيًا في تشكيل شخصية الإنسان، إلى جانب البيئة الاجتماعية التي نشأ وتربى فيها، لكنهما- الزمان والمكان – يؤثران بشكل أكثر خصوصية في تركيبة الذات النفسية، وتصرفات الإنسان الذي ينتقل طوعًا أو كرهًا أو مُجبرًا من أرض الوطن الأصلي، بحثًا عن حياة أخرى، سواء كان الهدف هو تحقيق مستوى اقتصادي أفضل من المُتاح له في أرض المولد، أو هدف آخر.
ففي كل الأحوال الهجرة هي البحث عن الذات باختلاف الدرجات والمقاصد، التي تختلف من شخص لآخر، وفق احتياجاته ومُتطلباته.
وقد تكتمل النفس البشرية أو الشخصية، وقد تبقى ضعيفة هشه باهتة المعالم، بفعل دور الأسرة والبيئة التي ينشأ فيها الإنسان في تكوين ذاته والقيم التي تعلمها ونتاج التصرفات، وأيضا دور المُجتمع والعقيدة الدينية التي يعتنقها الشخص، وهذا يُفسر جوانب كثيرة من الاختلافات التي تحدُث للناس، فالإنسان يحتاج إلى الهدى في كل لحظة أحوج منه إلى الأكل والشرب. أحوال نفوس البشر متفاوتة ومُتعددة.
وبصراحة وإرادة في مواجهة حقيقية في عدم هروب النفس من واقعها،نجد ان بعض من ذوات مصريين هولندا مشحونة بُحب الذات والعلو والكبرياء.
لكن حمدًا لله غالبية عناصر مُجتمع المصريين في هولندا هم أناس طبيعيين، تشغلهم مُتطلبات الحياة لأسرهم، ومنهم وجوه كثيرة مُشرقة تعمل بجدية، كثير منهم يعمل ويُعطى بصمت وتواضع، وسنلقى الضوء على هؤلاء في هذا الكتاب بقدر ما يسمح به الوقت والجهد .
كل نفس تريد أن تُطاع بحسب الإمكان، فنجد بعض من المصريين في هولندا ” خاصة ممن ينشطوا في مؤسسات العمل المدني ” يوالي من يوافقه على هواه، ويُعادي من يُخالفه في مُبتغاه، فمن وافق هواه كان وليًا وإن لم يوافقه كان عدوًا، والنفس خلقت جاهلة وظالمة فهي لجهلها تظن أن شقاءها في اتباع هواها، ولظلمها لا تقبل النصح، يوضع لها الداء موضع الدواء فتقبله، ويوضع لها الدواء موضع الداء فترفضه.
وهنا مربط الفرس الذي يهدف إليه كتاب ” المصريون في هولندا . . . فليغيره بقلمه ” أملًا في ان تحقق المواجهة الهدف الاجتماعي المرجو منها.
فلا يُمكن علاج المرض دون التحقق من العرض وكشفه بدقه، ومعرفة أسباب الداء قبل كتابة روشتة الدواء . . والحديث جد خطير ومُهم عن أمراض اجتماعية أدت إلى إصابة أجزاء من جسد الجالية المصرية بهولندا، وعطلتها عن مسارات صحيحة.
ليس فقط مُقارنة بجاليات عربية أخرى، ولكنها لم تُحقق حتى الحد الأدنى من طموحات غالبية المصريين ،بسبب عُقد النقص التي تملكت أشخاص بعينهم اعتلوا المنصات، ونصبوا أنفسهم أوصياء على أقدار مُعظم أبناء المُجتمع المصري على الأراضي الهولندية، ولهث فئة أنانية وراء تحقيق الشُهرة الشخصية، من أجل مكاسب لمصالح ذاتية، بكافة الطرق الغير المشروعة، وغيرها من أعمال وسلوكيات تتنافى مع العقائد الدينية والأخلاق الحميدة، ومنهم من يتستر وراء أعمال تطوعية خيرية في العلن، ولكن يكمن في باطنها شر وضرر أصاب ويُصيب غالبية أفراد الجالية المصرية في مقتل حتى صدور هذا الكتاب الذي بين آياديكم .
كتاب ” المصريون في هولندا . . . فليغيره بقلمه ” هو مرايا لنموذج حالة تعكس واحدة من مُجتمعات المصريين في الخارج ولا سيما أوروبا، وهو الجزء الثاني في سلسلة عرب أوربا، حيث صدر الجزء الأول للكاتب في عام 2003 بعنوان “عرب أوروبا بين القاضي والجلاد” .
ليس المقصود بالتشريح الاجتماعي، ورصد الحقائق بالتقصي وذكر المصادر والأدلة عملية فضح وقدح، ولكن الهدف هو كشف أسباب وبواطن الوهن، والتخاذل أمام مسؤوليات اجتماعية تجاه أبناء الرعيل الأول والجيلين الثاني والثالث في هولندا.
كما انه مرآة لينظر الجميع حتى يرو أنفسهم بما لهم وماعليهم، لعل المواجهة تفرز إيقاظ ضمائر البعض ممن غلبهم نعاس، جعلهم يتخذوا من الأعمال الضارة طريقًا، بعيدًا عن العطاء وإسداء الخير لأبنائهم.
المراقب لساحة المصريين في هولندا يستطيع في غاية السهولة رصد ” شريحة بعينها ” في ساحة الصراعات الفارغة من محتويات ذات قيمة، وما هي إلا حروب شخصية وتنافس سلبي لذوات نفسية مريضة، تُريد إثبات تواجدها بصناعة أوزان ذات ثقل اجتماعي، يستمدونها من اختلاق أحداث ومُناسبات كرتونية هشه، أشبه بملاهى تضُم “سيرك” يتم نصبه في مكان ثم تفكيكه وإعادة نصبه في مكان آخر، وتتكرر المأساة على فترات وفق تحقيق أهداف المصالح الشخصية.
تلك الفئة هي ليست أسباب جذور الفساد وتشويه صورة الجالية المصرية فحسب، بل يجرون ورائهم نسبة لا بأس بها يُغرر بهم للدخول في ساحات صراعات وشللية، فتخرج جماعة عن جهل وأحيانًا بحُسن نية تؤيد شخصًا من رؤوس الأفاعي، وتخرج جماعة أخرى تتصدى لهم بالدفاع أو الهجوم، ويحمى الوطيس ثم يهدأ وتُعاد الكَرة من جديد.
ولا غرابة في ان يتغير المشهد وتتبدل الخنادق، فيتحد أعداء الأمس في جبهة شر ضد آخرين، وتختلط الجبهات في قاعدة مُجتمع المصريين، مع أنّ من يعتلوا المنصة يتصارعوا في جبهة أخرى، على مصالح شخصية رخيصة .
والوقائع كثيرة وثابتة لأعمال فساد مالي وإداري وأخلاقي، تم توثيقها وجعلها مرآة تعكس صور بعض الحقائق والخيال.
( إ.ف ) شخصية مُثير للجدل
اختيار البَدْء بشخصية – إ.ف – في هولندا جاء بسبب انه الأكثر جدلًا، بين أبناء الجالية المصرية على الساحة في هذا البلد، نظرًا لتغير مواقفه من النقيض للنقيض، والتلون في المواقف وفق المُتغيرات والأحداث المتنوعة في كل من بلدة المولد ” مصر ” وهولندا التي يعيش فيها، حيث كان قد خرج من مصر في عام 1969، كما جاء لسانه في أقواله للزميل الكاتب صلاح هاشم، الذي سجل مُقابلة معه في كتاب ” الوطن الآخر – سندباديات: في شوارع أوروبا الخلفية مع المهاجرين العرب ” حيث قال في صفحة 261 : عـندما خرج السيد إبراهيم فاروق من مصر في العام 1969 لأسباب يحتفظ بها لنفسه، ولا يود أن يذكرها لأحد.
الحلقات المُقبلة : عن ( إ.ف )