بقلم :يحيي سلامة
مخطئ من يقول أن الحرب بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى لا ناقة للعرب فيها ولا بعير .
وأن دعاء (اللهم أهلك الظالمين بالظالمين ) هو الموقف المثالى المحايد تجاه تلك الحرب نتيجة للموقف الطائفى تجاه إيران الشيعية والموقف العقائدى تجاه اليهود أو بمعنى أدق الصهيو مسيحية المتمثلة فى تحالف الكيان الصهيونى مع المسيحية الغربية (المعادية فى الأساس للعرب سواء مسلمين أو مسيحيين كما هو معروف تاريخيا ).
وأقول صراحة أن إستحضار الطائفية والعقائد الآن ليس مطلوبا ولا يجب طرحه على أى مستوى من المستويات .
مع كل الإحترام للأقلام التى تناولت البعد الطائفى والعقائدى إلا أنه يجب تناول المشهد بأبعاده السياسية والإستراتيجية وتأثيره على الأمن القومى العربى الذى ربما يمتد من الخليج العربى إلى ما وراء البحر الأحمر .
فالخاسر الوحيد من هذه الحرب وتداعياتها هم العرب أنفسهم الذين إنتقلوا طواعية إلى خانة المفعول به وتركوا الملعب السياسى والإستراتيجى والأمنى لغيرهم يحددونه كيف شاءوا ومتى شاءوا . ويجب هنا التوقف أمام مايردده رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أنه سيعيد رسم الشرق الأوسط من جديد وفق رؤيته السياسية والإستراتيجية والأمنية .
وحتى لا يكون الكلام مرسلا سأضرب أمثلة عديدة توضح مقصدى .
يوجد فى علم السياسة مايسمى بسياسة( ملأ الفراغ ) وهو أن دولة تحل محل دولة أخرى لتلعب نفس دورها سياسيا واستراتيجيا وأمنيا عندما تتخلى هذه الدولة عن دورها طواعية أو رغما عنها .
وملأ الفراغ هذا كان متبادلا بين إيران والدول العربية .
فبعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وتهدئة الصراع العربى الإسرائيلى جاءت إيران وبقرار أمريكى لتملأ الفراغ الذى تركته إسرائيل ليتم إستبدالها كعدو تاريخى وطائفى للعرب السنة وأنها تسعى لتصدير المذهب الشيعى وتصدير الثورة الإسلامية (ثورة الخومينى 1979) لدول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أكبر دولة خليجية سنية وطبعا برمزيتها الإسلامية العالمية حيث أنها أرض الحرمين الشريفين.
ودون الدخول فى تفاصيل معروفة من حرب الثمانى سنوات بين العراق وإيران وغزو العراق والإحتلال الأمريكى لها تبادل الطرفان (إيران والعرب )لعبة الكراسى الموسيقية أو ملأ الفراغ .
فدعم إيران حزب الله فى لبنان لمقاومة الإحتلال الإسرائيلى كان ملأ فراغ بعد إجبار منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة لبنان إلى تونس عام 1982 وخروج الجيش السورى من لبنان لينفرد حزب الله وحده بالمقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي.
وفى سوريا أثناء حكم نظام بشار الأسد
كان هناك إتفاقا غير مكتوب بين إيران والعرب على بقاء الأسد وعدم إسقاط النظام فبينما ساندت إيران النظام ودافعت عنه بالقوة المسلحة وإرتكاب المجازر وإلقاء البراميل المتفجرة على الشعب السورى حفاظا على النظام (سياسيا وطائفيا ) كانت الدول العربية السنية حريصة على بقاء بشار (سياسيا )تلك الدول التى شيطنت حركات المقاومة وجبهة النصرة وغيرها من الجبهات المقاومة التى تصدت لنظام بشار المجرم ووصمتها بالإرهاب وإتهمتها بالخيانة والعمالة للصهيوأمريكية ومازالت هذه التهم تلاحق النظام السورى الجديد بعد إطاحته بنظام بشار الأسد بل إن الرئيس السورى الحالى أحمد الشرع مازال مطلوبا فى دولة عربية فى قضية تتعلق بالإرهاب .
[17:25, 18-06-2025] يحيي سلامه: وبالعودة إلى سياسة ملأ الفراغ كانت إيران هى المستفيد الوحيد من الإحتلال الأمريكى للعراق وبسط نفوذها الطائفى فى العراق والتى يتواجد بها أكبر طائفة شيعية فى مقابل الطائفة السنية ولكن يجب ألا ننسى أن حصار العراق لمدة 10 سنوات قبل غزوها وإحتلالها كان تحت سمع وبصر ومباركة الدول العربية السنية وفى مقدمتها الدول الكبيرة (مصر والسعودية ) وإيران دعمت الحوثيين فى اليمن بعد إصرار السعودية على فرض الديكتاتور المخلوع (على عبد الله صالح )على إرادة الشعب اليمنى الثائر عليه وعلى نظامه وانتهت محاولة السعودية بمقتل على عبد الله صالح بعدما تصالحه مع الحوثيين فى مناورة سياسية مكشوفة منه وواصلت السعودية إصرارها بتنصيب ودعم حكومة ضعيفة (عبد ربه منصور هادى )والتى إنهارت سريعا أمام هجمات الحوثيين وإستيلاءهم على السلطة فى وقت قياسى وهروب هادى وحكومته إلى السعودية ولم يفلح التحالف الخليجى فى القضاء على الحوثيين وإسقاط نظامهم بالقوة المسلحة طيلة عشر سنوات .
ودخلت إيران لملأ الفراغ ودعمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس ) سياسيا وعسكريا بعد تبنى الدول العربية إختيار السلام الإستراتيجى مع إسرائيل وأنها تخلت عن المقاومة أو الحرب المباشرة معها ولم تكتف الدول العربية بذلك السلام (الإستسلام الإستراتيجى من طرف واحد مع الكيان الاسرائيلى )بل ذهبت إلى شيطنة المقاومة ويكفى القول أن حزب الله وحركة حماس تم تصنيفهم على أنهم جماعات إرهابية فى دول عربية مهمة بل إن قادة حماس وعناصرها مطلوبين فى بعض الدول بتهم خاصة بالإرهاب وهو أمر معروف ومعلن ولا داعى للخوض فيه لينتهى الأمر إلى مانشهده اليوم من حرب إبادة فى قطاع غزة والجدير بالذكر هنا أن الخيار الاستراتيجى للسلام لم يمنع الكيان الصهيونى من الاقتحامات المتكررة للضفة الغربية والعبث بها بل والتصريح علانية من الصهيونى المتغطرس سيموتيرتش بضم الضفة الغربية لإسرائيل وإعادة إحتلال قطاع غزة مع العربدة فى سماء سوريا ولبنان والاعتداءات المتكررة على البلدين
وبعد هذا الإستعراض التاريخى لسياسة ملأ الفراغ يأتى الحديث الطائفى والعقائدى ليكرس هذه السياسة ويزيد من المشهد السلبى للعرب ويبقيهم فى مقاعد المتفرجين
على هذه الحرب الدائرة الآن والتى تجزم كل التداعيات العسكرية والإستراتيجية والأمنية والسياسية أن الدول العربية هى الخاسر الوحيد فيها أيا كان الطرف المنتصر سواء كانت إيران الشيعية أو اسرائيل الصهيونية المتحالفة مع الغرب المسيحى اليمينى المتطرف .
وفى الأخير فلا الغرب الأوروبى ولا أمريكا سوف يسمحا بأن تخسر إسرائيل حربها ضد إيران بل ستخرج إسرائيل من هذه المواجهة أشد قوة وأشد شراسة لتعمل على استكمال مشروعها التوسعى الإستعمارى وإقامة مملكتها الممتدة من الفرات إلى النيل فهذه فرصتها الذهبية فى ظل وجود رئيس يمينى (كان أول رئيس أمريكى يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل منذ عام 1948) ووجود شركاء أوروبيين يمينين وداعمين للمشروع الصهيونى فى دول كبرى وهامة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا )وفى ظل استسلام استراتيجى وسبات عربى مهين بين دول غنية تمول المشروع الصهيوأوروبى أمريكى بتريليونات الدولارات وتبارك تلك الحرب وتعتبر أن إسرائيل تخوضها بالنيابة عنها لتحجيم دور إيران الشيعية فى المنطقة وبين دول مترقبة ومتوجسة خيفة من التداعيات والمٱلات على استقرارها بل ووجودها نفسه وإن كانت تشغلها أزماتها الإقتصادية عن التفكير وإكتفت بالمشاهدة والشجب والإدانة واللوذ بهيئة الأمم المتحدة (الأوروأمريكية )ومجلس الأمن (الأوروأمريكى )ومنها من يعول على الدور الروسى الذى سبق تجربته فى حربى 1967 و 1973 واستيقاظ التنين الصينى من سباته العميق أو حتى دخول باكستان كدولة مسلمة سنية نووية على خط المواجهة لتحقيق التواجد السنى وسط الوجود الشيعى والصهيو مسيحى وكل هذا التعويل فى رأيى هى رؤى رومانسية حالمة كمن يشاهد مشاهد الحرب والدمار وهو يستمع إلى موسيقى شتراوس وسيمفونيات بتهوفن.
ليكون الهروب إلى الدين وإستدعاء الطائفية والعقائد مجرد إثبات حضور فى المشهد الذى يزداد تعقيدا فى ظل غياب الرؤية السياسية والإستراتيجية والأمنية لما يسمى (الأمن القومى العربى) الذى أظنه لامحل له من الإعراب