بقلم : ضحى أحمد الباسوسي
كم مرة أخفينا ألمنا حتى لا نُثقل على من نحب؟ . . كم مرة تمنّينا فقط من يُصغي … دون أن يُحاكم؟ . . كيف يبدو الأمان؟ . . سؤالٌ تهمس به الروح كلّ ليلة، كما تهمس الأرملة بأسم من رحل، دون أن تنتظر جواباً. ف ها هي تجلس هناك تمد يدها في عتمة قلبها، تفتش عن مكانٍ لا يُطلب فيه الحذر كي نُحَب، عن مساحة لا يضيق فيها الصدر إذا نطق بما يؤلم.
أن تكون آمنةً تماماً، يعني أن لا ترتب كلماتها ألف مرة قبل أن تبوح، أن لا تخاف من أن تؤذي من تحب بصراحتها، أن لا تُفتّش عن طريقة لتُخفي وجعها خلف ابتسامة مشقوقة بالدمع. هي تبحث عن ذلك النوع من الأمان، وليس ذلك الجدار ولا الباب المغلق، عن ذلك الأمان، الذي له وجهٌ يُصغي دون أن يقطّب حاجبيه، عن ذلك الحضن، الذي لا يسأل لماذا بكيت، بل يمسح دمعتك ويقول: “أنا هنا.” .
كم مرة بلعت حديثها حتى لا تُربك السلام الزائف من حولها؟ كم مرة كتمت وجعها حتى لا توصم بالضعف أو كثرة الشكوى؟ هي صارت خبيرة في الصمت، تُجيد لفّ الألم بشرائط أنيقة، وتقدمه كل يوم باسماً لمن حولها… وفي الداخل، تنهار مدنٌ بأكملها تحت قدميها. تتساءل: هل يوجد مكان لا نخاف فيه من أن يُساء فهمنا؟ لا نخاف فيه من أن نخسر أحداً لأننا كنا صادقين؟ هل يوجد قلب لا يستخدم ضعفنا كسكين؟ . .
هل يوجد أحد، لا يُسقطنا من عينه لأننا احتجنا إليه؟ هي تُريد وطناً من بشر، تجلس فيه دون أن تُرتب ملامحها، دون أن تخشى أن تكون مشاعرها عبئًا، تريد أن تتحدث كثيرًا… عن أشياء صغيرة تؤلمها، عن كوابيس تتكرر، وعن أحلام مؤجلة، وعن شعور بالوحدة لا يُفارقها حتى وهي بين الناس ومن تُحب. تُريد أن تقول “أنا تعبت”، ولا يُقابل صوتها بالصمت، أو النُصح، أو المقارنة، بل يُحتضن كما يُحتضن طفل ضائع… يعود أخيرًا إلى بيته. ذاك هو الأمان الذي تبحث عنه، لا قلاع من حجارة، بل صدورٌ من دفء، لا أسوار تحميها، بل قلوب تفهمها، ذاك الذي ما زلتُ تُفتش عنه، في وجوه كثيرة حولها، دون أن تجده… سوى في الكتابة، حيث لا أحد يُعاقبك على أن تكون صادقًا..