بقلم: الإعلامية الدكتورة ماجدة محمود عبد العال
هناك لحظات في عمر الأمم لا تُقاس بالتاريخ فقط بل بكمّ الفخر الذي تزرعه في قلوب شعوبها وما شهدته مصر في افتتاح المتحف المصري الكبير لم يكن مجرد حدث أثري أو احتفالية فنية ضخمة بل لحظة وعي وولادة جديدة لوطن أدرك حجمه الحقيقي في خريطة العالم
في تلك الليلة لم تتحدث مصر عن ماضيها بل تحدث ماضيها عنها لم تكن الأضواء تسلط على الحجارة بل على روح الحضارة التي مازالت تنبض في وجدان المصريين كان المشهد أكبر من افتتاح متحف وأعمق من مجرد عرض للآثار كان إعلانًا رمزيًا بأن مصر مازالت قادرة على أن تدهش العالم من جديد ولكن هذه المرة من بوابة الوعي والتنمية والسلام
ما فعله هذا الافتتاح أنه جمع العالم حول فكرة واحدة أن الحضارة المصرية ليست ماضٍ ندرّسه بل طاقة نستلهمها كل حجر في المتحف الكبير يحكي أن هذا الشعب لم يكن يومًا عابرًا في التاريخ بل صانعًا له وأنه حين يقرر أن ينهض ينهض بكل ما فيه من أصالة وحداثة معًا إنها ليست مصادفة أن تتزامن هذه اللحظة مع ما تشهده مصر من مشروعات تنموية واقتصادية ضخمة فالحضارة الحقيقية ليست أن نحافظ على ما ورثناه فحسب بل أن نضيف إليه ما يليق بعظمة من بنوه وهذا ما تفعله مصر الآن تحت قيادة واعية ترى أن الثقافة ليست ترفًا بل جزء من أمنها القومي وقوتها الناعمة
في عالم منقسم بين القديم والجديد بين الأصالة والتكنولوجيا تأتي مصر لتقول للعالم أنا أملك الاثنين ففي المتحف المصري الكبير تلتقي التكنولوجيا الحديثة بعظمة الأجداد وتلتقي الحضارة التي عمرها آلاف السنين مع لغة العصر الحديثة في العرض والإبهار والتصميم والإدارة إنها رسالة صامتة لكنها أبلغ من أي خطاب سياسي أن مصر لا تُقلّد أحدًا بل تُعيد تعريف معنى الريادة بأسلوبها الخاص
كل دولة تمتلك متاحف لكن مصر تمتلك متحفًا يشبهها شامخ متجذر مضيء يحمل في داخله تاريخ الإنسانية كلها إنه ليس مجرد مبنى لعرض الآثار بل منصة لعرض الذات المصرية بكل مكوناتها عراقة الماضي انفتاح الحاضر وحلم المستقبل وحين وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي ليعلن للعالم أن هذا الصرح هو رسالة سلام من مصر فقد كان يربط بين حجر فرعوني من آلاف السنين وواقع سياسي حديث يسعى للاستقرار والبناء هذه هي عبقرية الدولة المصرية أنها تعرف كيف تجعل من كل حدث أداة تواصل عالمي وصوتًا ناعمًا للعقل والوجدان معًا
للعالم قالت مصر تعالوا شاهدوا كيف تصون أمةٌ تاريخها وتقدّمه في أبهى صورة ولأبنائها قالت هذا هو إرثكم فاحفظوه طوّروه وكونوا على قدره إن افتتاح المتحف المصري الكبير ليس النهاية بل بداية عصر جديد من الوعي الثقافي والاقتصادي والسياحي يضع مصر على خريطة العالم من جديد لا كوجهة سياحية فقط بل كرمز حضاري وإنساني عالمي
تاريخنا لم يُخلق ليُحكى بل ليُلهم وحضارتنا لم تُبنَ لتُعرض بل لتقود وهكذا تبقى مصر كلما حاول العالم أن يطوي صفحتها تكتب سطرًا جديدًا في كتاب الإنسانية
كانت القاهرة في تلك الليلة تشبه عاصمة للضوء حيث امتزجت ملامح الفخر في وجوه الناس بدموع الفرح كانت الأسر تحتفل أمام الشاشات والمصريون في الخارج يتابعون الحدث بعين تفيض حبًا واعتزازًا حتى الأطفال الذين ارتدوا ملابس فرعونية شعروا أن هذا اليوم عيد وطني للحضارة شاهدنا العالم يصفق لمصر وشاهدنا مصر تصفق لنفسها فحين تتكلم الحضارة بلغة الحاضر لا يكون أمام العالم سوى أن ينصت
